اعتبر وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، أن “دور المبدعين يكمن في أن يقدموا المثال الحي عن الإبداع الذي يتنافس فيه أهله ارتقاء إلى فوق، إلى حيث تسكن القيم العليا في مساكن الفنون والجمالات والمعارف، ذلك (خير وأبقى) في ضمير الوطن من كل صراعات الكراسي والسيادات الجوفاء”.
واضاف: “إن بيروت برغم ما نالها من حروب وزلازل وتداول حكام واحتلالات، بقي ملتصقا بها وصف أم الشرائع فقط، وهذا الموضع الذي نحن فيه شيد من أجل الفكر في مناسبة فكرية، وما زال على شموخه ونضارته، لأن العمل الإبداعي أكان كلمة أم لوحة أم لحنا أم بناء أم سوى ذلك من عمل الأيدي المضيئة والعقول الباذخة، ليس سوى تجديد مستمر للحياة، فهو بمعنى من المعاني ابنها وأبوها في الوقت عينه”.
كلام المرتضى جاء خلال احياء وزارة الثقافة بالتشارك مع مؤسسة ارض المبدعين “احتفالية مئوية وطن” في قصر الاونيسكو تم خلالها تكريم باقة من مبدعين في مجالات متنوعة في حضور المرتضى، رئيس ومؤسس ارض المبدعين كمال بكاسيني وحشد من الفاعليات والشخصيات والهيئات الثقافية والادبية والاعلامية والنقابات الفنية. قدمت الاحتفالية الاعلامية مارغوريتا زريق التي طلبت بداية من الحضور الوقوف دقيقة صمت حدادا على ضحايا زورق البحر في طرابلس ثم النشيد الوطني.
وأشار وزير الثقافة في كلمته الى انه “ليس كثيرا أن نقيم كل يوم احتفالا لتكريم المبدعين اللبنانيين. ذلك أنهم، على سعة انتشارهم في مواضع الأرض وميادين المعرفة، تكاد السنة لا تكفي أيامها لإيتائهم حقوقهم وعرفان أفضالهم، أشخاصا وإنجازات. من هنا تصبح هذه المناسبة التي نحن في رحابها، مبادرة مستدامة ومطلوبة، ولو موسميا، لإظهار الوجه الحقيقي للبنان”.
وأضاف: “لعلنا الآن في أمس الحاجة إلى ذلك، في غمرة ما يحيط بنا من أزمات انعكست سلبا على صورة الوطن لدى شعبه وشعوب العالم، حتى إن مواطنين كثيرين باتوا يختارون خطر الموت غرقا في أمواج البحر، على الموت البطيء الذي يذوقونه كل يوم بسبب الأوضاع الاجتماعية المزرية التي يكابدونها، وقد رأينا على ذلك مثالا صارخا في ما شهدته طرابلس الأحد الماضي، من كارثة وطنية وإنسانية”.
واستطرد المرتضى: “بعيدا عن الشعارات والأمنيات تضعنا هذه الصورة أمام حقيقة مرة بتناقضها: وطن يزخر بالمبدعين، لكنهم مغيبون فعليا عن الأدوار التي ينبغي أن يلعبوها للانقاذ، فيما اتخذ بعضهم لأنفسهم مواطن عمل وإنجاز في بلاد الله الأخرى: فأمتنا كما قالت شاعرة العراق لميعة عباس عمارة، في تكريم أحد اللبنانيين المهاجرين، فأمتنا تصدر مبدعيها ليثري منهم البلد الغريب، وتزداد الصورة تناقضا وألما إذا تذكرنا كيف سارت ممارسة الحكم عندنا منذ الاستقلال – من غير أن أعمم طبعا – في مسار مخالف للأفكار التنويرية التي نشرها المفكرون اللبنانيون في الشرق كله”.
وأردف: “فلقد آثرنا، إلا في مراحل قليلة، التقوقع بدل الانفتاح، والحمية الطائفية بدل العصبية الوطنية، والتشرذم بدل الوحدة، والخصام بدل السلام، كأن بين الفكر والفعل عندنا عداوة يقول فيها الواحد للآخر: هذا فراق بينى وبينك. (الكهف 78)، أو كأن نصب المحاور الداخلية هو الذي يقي من الانخراط في محاور خارجية، أو كأن التنابذ بين المواطنين هو الذي يفتح أمامهم باب الحياد، أو كأن القوة التي نملك فكرية كانت أم سياسية أم اقتصادية أم عسكرية، ليست ملك الجميع ومن أجل الجميع”.
ولفت الى ان “دور المبدعين يكمن في ان يقدموا المثال الحي عن الإبداع الذي يتنافس فيه أهله ارتقاء إلى فوق، إلى حيث تسكن القيم العليا في مساكن الفنون والجمالات والمعارف. ذلك خير وأبقى في ضمير الوطن من كل صراعات الكراسي والسيادات الجوفاء. فإن بيروت برغم ما نالها من حروب وزلازل وتداول حكام واحتلالات، بقي ملتصقا بها وصف أم الشرائع فقط، وهذا الموضع الذي نحن فيه شيد من أجل الفكر في مناسبة فكرية، وما زال على شموخه ونضارته، لأن العمل الإبداعي أكان كلمة أم لوحة أم لحنا أم بناء أم سوى ذلك من عمل الأيدي المضيئة والعقول الباذخة، ليس سوى تجديد مستمر للحياة، فهو بمعنى من المعاني ابنها وأبوها في الوقت عينه”.
واستشهد وزير الثقافة بكلام لسيد البلاغة حيث قال “أيها المبدعون، أيها الحضور الكرام، لسيدي وسيد البلاغة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام خطبة سميت بالشقشقية. ذلك أنه نفث فيها الكثير من كرب صدره بسبب الحالة التي كانت سائدة في زمانه حينذاك مما دونته الكتب. ولقد اضطر إلى قطعها، فلما عاد سأله ابن عمه عبدالله بن عباس أن يتم كلامه من حيث قطع، فقال: “تلك شقشقة هدرت ثم قرت”.
وقال: “على الرغم من أن أي كلام لأي مخلوق لا يرقى إلى بلاغة كلام الإمام، أطلب منكم أن تحسبوا كلمتي هذه على صورة الخطبة الشقشقية، نفست فيها عن شيء من الكرب النازل بنا أجمعين”.
وختم المرتضى: “ويبقى أن أجدد التهاني والمباركات للبنانيين أجمعين بمناسبة أعياد الفصح والفطر التي تحيط أيامنا هذه، وتزرع فيها بذور الرجاء بالغد الأفضل. بوركتم أيها المبدعون. ولتدم مؤسسة أرض المبدعين في هذا النشاط الثقافي المميز”.
بكاسيني
وكان بكاسيني ألقى كلمة شكر فيها الوزير المرتضى لدعمه القطاع الثقافي بمختلف مجالاته، لافتا الى ان “بيروت كانت وستبقى عاصمة الفكر والثقافة والابداع”، وقال: “بيروت يا وردة زرعت في عين حاقد يا مدينة التاريخ ونافذة الشعوب وملجأ المظلومين سنصرخ اليوم في وجههم أن أرض المبدعين لا تنكسر نعم، شوهوا جمالك وضربوا الامال بأبناء شعبك ولكن لم ولن ينتصروا ولا تنسوا يوما أن حدود وطننا رسمت بدمار شهدائنا ومستقبله سيكتب بإنجازاتكم ونجاحاتكم أيها المبدعون سننتصر يا بيروت لانك قضيتنا، أنت أمتنا وتاريخنا ومستقبلنا أعلم أنه ليس من السهل أن تكون لبنانيا وكان شرف لنا أن نموت لبنانيين بإستحقاق”.
والمكرمون هم الفنان عاصي الحلاني، المدير في الmbc زياد حمزة،المبدع جورج خباز، الملحن والفنان مروان خوري، الإعلامي هشام حداد،الشاعر نزار فرنسيس،الممثلة كارمن لبس، الكاتب والمؤرخ عصام خليفة، القيم البطريركي أنطوان شار، الكشاف الماروني، البطلة ساندرا سكر، الشيف العالمي كميل بلعط، النقيب إرنست بعقليني،النقيب جورج أبو أنطون.