صور – أحيا ملتقى الجمعيات الأهلية في صور ومنطقتها الذكرى السنوية لتحرير مدينة صور ومنطقتها، تخلله تكريم كوكبة من الأسرى المحررين من سجون العدو الصهيوني.
أقيم الإحتفال في قاعة جامعة المدينة، برعاية وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى وحضور النائبة عناية عزالدين، ممثل النائب حسن عزالدين الشيخ محمود حلال، المسؤول التنظيمي لإقليم جبل عامل في حركة امل المهندس علي إسماعيل، رئيس جمعية “هلا صور الثقافية” الدكتور عماد سعيد، القنصل الفخري علي عجمي، رئيس الحركة الثقافية في لبنان باسم عباس وحشد من القيادات اللبنانية والفلسطينية والإعلامية والتربوية.
بعد النشيد الوطني وتقديم من زينات سلمان، استهل وزير الثقافة المرتضى كلمته بتحية خاصة الى هذه المدينة المميزة قائلا: “السلام على صور التي إكتنزت للبنان كله شعبا ودولة ومصيرا… الأروع ماضيا والأشجع حاضرا والأمنع آتيا. صور التي يرقى عمرانها البشري إلى أربعة آلاف عام قبل المسيح، التي جعلت البحر الأبيض المتوسط بحيرة تتوسط مدائنها المنتشرة حوله على شواطئ سلطانها، التي أهدت العالم شظف المراكب ورفاهية الأرجوان، التي زارها السيد المسيح وشفى عند تخومها إبنة المرأة الكنعانية ،التي امتلأ فضاء صخرها وملحها بميراث الحضارات المتعاقبة… منذ فينيقيا حتى بيزنطية، التي تعطر ليمونها بهتاف “الله أكبر” من مآذنها ….وبأصداء نواقيس الآحاد والأعياد،التي اغتسلت دروبها بطهارة خطى إمامها السيد عبد الحسين شرف الدين، التي أعلن فيها دم الشهيد أحمد قصير أول وأطول انتصار على آلة الطغيان الإسرائيلية، التي وأنت فيها تنظر من نافذة اليوم إلى شمس الغد الطالعة من خلف ذرا حرمون، لتضيء الجنوب المنتصر، وتعد بالانتصار جنوب الجنوب… من الناقورة حتى رفح”.
وتوجه الى اهل صور بالقول: “الانتصار لديكم يا اهل صور لم يقتصر على دحر الاحتلال الإسرائيلي وإرساء معادلة النار بالنار لحماية لبنان وشعبه وثرواته، فإن ثمة إنتصارا أهم في قاموسكم وفي سجلكم يقتضي على اللبنانيين اينما كانوا أن يستهدوا به، هو الإنتصار على كل عوامل التفرقة والانقسام في مجتمع متمايز متعدد يضم مواطنين من أديان ومذاهب مختلفة، ومن طبقات اجتماعية متفاوتة، وانتماءات حزبية وعائلية متنوعة”.
وتابع المرتضى: “إنه المثال الصالح والأنموذج الحي والصورة البهية عن الوطنية الحقة، وعن التنوع ضمن الوحدة، وعن ثقافة التمسك بالآخر والحرص عليه. هذا المجتمع، بل هذا المصهر الإنساني، أعطى الانتصار بعدا آخر، لأنه شكل النقيض الواضح للمفاهيم التي قام عليها الكيان المغتصب. فنحن المسلمين والمسيحيين، بمقدار ما نثبت في عيشنا وأرضنا وحقوقنا معا، نغلب أعداءنا المنظورين وغير المنظورين، ونكرس حقيقة الحديث الشريف: “الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله”.
واستذكر الامام موسى الصدر: “تلوح لي ههنا قامة منارة في ظلمة وبوصلة في ضياع، عينان تطفو فيهما زرقة السماء، وعزم تصخب فيه عواصف الأمواج، سواد عمة ونصاعة ضمير، إمام كنائس وأسقف مساجد، من جسد في عيشه وخطابه منظومة القيم الإيمانية والوطنية والإنسانية، من تأبى القلوب أن تسميه مغيبا وهو يستوطن نبضها، سيد الحقيقة والعيش الواحد الإمام موسى الصدر. فإنه كان العنوان الأخلاقي للدعوة إلى العيش الواحد بين المواطنين… والمفتاح الذهبي لبوابة الانتصار… وعلى هديه جميعا نسير في وحدة كالبنيان المرصوص ولن نبدل تبديلا”.
وعن الواقع الحالي الانتخابي قال: “ألزمت نفسي في خلال الأيام القليلة الماضية، بالاستماع إلى بعض الخطابات الانتخابية لبعض السياسيين والمرشحين، وبخاصة أولئك الذين يصفون أنفسهم بالسياديين والمعارضين. كنت أعلم أن لهذا الموسم طقوسه ولغته، وأن النبرة العالية واحدة من وسائل التحفيز على الاقتراع أو اكتساب الأصوات؛ لكنني لا أكتمكم أنني لم أتوقع البتة أن تنصب مدافع الكلام وتصوب بنادق الحناجر، وترتفع سواتر الشعارات، بهذه الكمية الباهظة عددا وآليات، وأن تحدد إحداثيات القصف اللفظي بصورة شبه دائمة إلى اتجاه معين هو المقاومة وبيئة المقاومة. ولقد زادني هذا الأمر إيمانا بأنه لو قيض لنا قانون انتخاب نسبي يعتمد فيه لبنان كله دائرة واحدة، لما كان هؤلاء الخطباء المرشحون يتوجهون إلى جمهور اللبنانيين بالخطاب عينه، بل كانوا لينظروا إلى الانتخابات كاستحقاق دستوري يتنافس فيه المتنافسون على كسب ود جميع اللبنانيين بالإستناد الى المشاريع لا الى الإفتراءات والتخرصات”.
واردف المرتضى: “على أن الأهم الذي يخلص إليه المستمع الحيادي من كل تلك الخطابات، هو التشوش الذي يعتري مضمون المصطلحات، كالسيادة والحرية والصديق والشقيق والعدو والتحرير والاحتلال، فإن مضامينها تختلط وتلبس على أفواه هؤلاء معاني بعيدة عن أصلها حتى التناقض. ولست أبتغي ههنا تفنيد ذلك، لكنني أسأل من ينبرون للتصدي للإحتلال الإيراني الموهوم اين هو هذا الإحتلال؟ ثم اين كنتم أنتم ووطنيتكم وحميتكم عندما كان ثمة احتلال فعلي لا وهمي، هو الإحتلال الإسرائيلي جاثما على صدر الجزء الأعز من وطنكم؟ لماذا لم تفتحوا حينها فاهكم بإعتراض أو تنشئوا جبهة أو مجلسا تنبروا من خلاله للمقاومة والتحرير؟ أخشى ما أخشاه أن يكون جل ما في الأمر تكليف لكم من الإحتلال المدحور للتشويش على المقاومة التي قهرت وبيئتها هذا الإحتلال؟.
والى المواطنين اللبنانيين قال: “ولأخوتنا اللبنانيين نقول لا يضللكم ضال مضل؛ الحقيقة أنه ليس ثمة احتلالا ايرانيا في لبنان بل لقاء لبناني إيراني يرتكز إلى القيم ومنها السيادة والحرية ومقاومة الظلم ونصرة المظلوم وجبه العدوان، وهذا غير مرتبط بطائفة دون أخرى، بل هو لكل اللبنانيين والإيرانيين على السواء، بل بالأحرى لكل العرب وبخاصة للشعب الفلسطيني المقهور داخل الأرض المحتلة وفي الشتات”.
واضاف: “فالموقف من الكيان المغتصب هو قبل كل شيء موقف أخلاقي، وانتماء إلى ثقافة الحق. وما يثار حوله من غبار كلام، لن يغطي على حقيقته. وإذا كان بعض أهل السياسة في لبنان والعالم… يرون في ما تقدمه إيران للبنان، وللمقاومة تحديدا، نيلا من السيادة الوطنية اللبنانية، فهذه نظرة لا تستقيم لا عقليا ولا عمليا، لأن هذه التقديمات ترمي إلى مساعدة الشعب اللبناني على توطيد سيادته ضد الاحتلال وإلى حماية البلد وثرواته من الاعتداءات الإسرائيلية في البر والبحر والجو. أما من الزاوية العملية، فلقد تحقق بفضلها تحرير الجزء الأكبر من الأرض اللبنانية المحتلة، وها إن العدو يعاني الآن من تفسخ اجتماعي داخلي كما من رهبة عسكرية تجاه لبنان تنهش قلوب جنوده”.
وتساءل وزير الثقافة: “أوليس هذا قمة السيادة أيها السادة؟ أم هل تكون هذه السيادة في الخنوع والرضوخ لإملاءات تردنا من خارج المنطقة لتزرع بين شعوبها ودولها صراعات لا طائل منها إلا تأمين المصالح الصهيونية، شاء ذلك المتصارعون أم أبوا، عرفوا أم لم يعرفوا؟”.
ولفت الى انه “في جميع الأحوال أود أن أعلن في هذه المناسبة أن للتحرير معنى واحدا هو الذي كتبته صور وصيدا وبيروت، والجنوب كله ولبنان أجمع، يوم دحر المقاومون جيش الاحتلال الإسرائيلي عن أرضنا الطاهرة. وكل معنى آخر تنكره الأبجدية ويأباه الضمير الوطني. وكذلك السيادة فمعناها مكتوب على صفحات التراب العاملي وأوراق أشجاره وعلى دفاتر شتلات التبغ وسنابل القمح الجنوبية، مكتوب بدماء المقاومين الذين هم أنتم وأخوانكم وآباؤكم، وشعبنا وبيئتنا التي احتضنت الجراح ولم تقل أف أو آخ.
والتحرير الذي نعيد له اليوم للمرة السابعة والثلاثين لا يزال نضرا كأنه حدث بالأمس القريب، ذلك أنه ملأ النفوس بالعزة والكرامة والثقة بأن بيت العنكبوت أوهن من موجة على شط صور، وأن لبنان القوي بكم وبمقدراتكم لن يجرؤ عدو بعد اليوم على المس به، وأن قوس النصر الروماني الذي ترتفع حجارته بالقرب من هنا، قد ارتفع مثله وأعلى منه في نفس كل جنوبي ولبناني وعربي شريف. أما الإسرائيليون الذين زعموا أنهم “انسحبوا” من بعض الجنوب عام 1985 وأنشأوا في بعضه الآخر المنطقة العازلة، فإنما يصدق فيهم قول الشاعر:
زعموا أنه جلاء وما كان جلاء بل كان خزيا وطردا
وقد استكمل طردهم عام 2000، وأعيننا ترنو إلى مواعيد طرد أخرى مما تبقى من أرضنا المحتلة ومقدساتنا المغتصبة”.
أما الأسرى المحررون، فلهم أقول: “مستقبل هذا الوطن سيبقى أسير نضالكم ومعاناتكم، وعذاباتكم التي جابهتموها بالصبر والعزيمة والكبرياء. كل كلام فيكم يبقى قاصرا دون حقكم، وكل تكريم لا يرقى إلى مستوى جراحكم التي بها انتصرتم على جبروت الاحتلال”.
وختم وزير الثقافة: “وبعد يا صور! يا عبق الماضي وزهوة الحاضر وأمل المستقبل! أدرجوك بقرار رسمي من منظمة الأونيسكو التابعة للأمم المتحدة على لائحة مواقع التراث العالمي أما أبناؤك الذين أوقدوا النار في أنفسهم كي لا يقعوا تحت احتلال الاسكندر المقدوني فقد أوقد أحفادهم، ومنهم اسرانا المحررون، النار في آليات الاحتلال الإسرائيلي، وفي أجساد جنوده المعتدين، وحرروا وطنهم، فحفروا اسمك بقرار مقاوم وبأحرف من نور على لائحة مواقع الكرامة الإنسانية والشموخ الوطني. كل عيد وأنتم بخير، عاشت صور عشتم جميعا عاشت وحدتنا وعاشت المقاومة ليبقى لبنان”.
وتحدث بإسم ملتقى الجمعيات الأهلية المربي بسام بزون وبإسم جامعة المدينة الدكتور عماد فران والأسرى حسن أحمد المحمد، وأجمعت الكلمات على دور المقاومة في تحرير الأرض والإنسان.
بعدها وزعت الدروع التكريمية على الأسرى المحررين.