تحقيق بديعة منصور
وطنية – لطالما كانت حماية التنوع البيولوجي في عكار وتوثيقه من اولويات واهداف جمعية “درب عكار” الأساسية، ولعل البحث عن ازهار الاوركيد البرية في سنته السابعة، يُشكّل واحداً من اهم فصول عملها، ليتم توثيق ما يزيد عن 65 نوعاً منها في كامل حدود المحافظة تضم انواعاً نادرة، بعضها يكتشف في لبنان للمرة الاولى.
ومع الانزلاق الخطير الذي شهدته البيئة العكارية ان من حيث التعديات او من حيث الاخطار التي تتهددها عبر التغيرات المناخية والأضرار المتطرفة لها مثل الحرائق وانجراف التربة وتدهور الاراضي، والتلوث والتمدد البشري داخل المواطن البرية لكثير من الكائنات الحيّة والنباتات، والأوركيد والسحلبيات على رأسها.
كُل ذلك شكل حافزاً لمزيد من العمل للبحث عن سُبل لحماية هذه النباتات ، وفتح المجال لزراعة جديد قد تُنقذ الوضع وتفتح الآفاق امام زراعة جديد، في ظلّ ترهل الكثير من الزراعات الحالية في لبنان، في ظل استفحال الازمة الاقتصادية.
المهندس الزراعي علي طالب، والذي يشغل حالياً منصب رئيس جمعية “درب عكار” والمسؤول عن مختبر درب عكار للأبحاث البيئية، يعمل منذ سنوات على استزراع الاوركيد البري، في محاولة لوقف النزف الحاصل وايجاد بدائل وحلول، فالعزف على وتر الحماية دون ايجاد بدائل اقتصادية حقيقية للمجتمعات المحلية صار يُشكل حافزاً على زيادة التعديات، ولعل موضوع قطع الحطب خير مثال.
يقول المهندس طالب: “منذ بداية تخصصي في كلية الزراعة وضعت زراعة الاوركيد البري نُصب عيني، ففرصة نجاحه في الطبيعة تكاد تكون شبه معدومة خاصة مع كل المتغيرات الحاصلة وتحديدا في موضوع الحرائق التي افقدت عكار ما يزيد عن 3000 هكتار من الغابات اغلبها من غابات الصنوبر والسنديان التي تُشكل مواطن اساسية للاوركيد البري، قررت ان يكون بحث تخرجي عن زراعة الاوركيد تحت عنوان: In vitro propagation of Lebanese wild orchids ،وها نحن اليوم امام اول دفعة من الاوركيد البري يتم انتاجها في مختبر درب عكار للابحاث البيئية والتي ستكمل نموها خارج المختبر مُحققة بذلك هدفنا الأول وهو حماية التنوع البيولوجي باعادة نشرها في الغابات المُحترقة، ومعه الهدف الآخر وهو فتح الباب على مصراعيه امام زراعة جديدة وهي زراعة الاوركيد لاستخراج السحلب الطبيعي”.
اضاف: “تعتبر المادة النشوية المستخرجة من درنات السحلب اساساً في الكثير من الصناعة الغذائية والاكلات والوصفات التقليدية خاصة في تركيا، التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد من دول اخرى لتلبية احتياجاتها، واليوم فإن عكار قادرة بسهولة على ان تصبح من الموردين، نظراً لأن هذه النباتات تنمو ضمن بيئتها الاصلية في ظروف مثالية، وبالامكان خلال سنوات قليلة ان يكون لدينا انتاج كبير قابل للتصدير او حتى للتصريف في السوق المحلي لإعادة احياء العديد من الوصفات التقليدية مثل البوظة وشراب السحلب لا بل حتى مغذيات الاطفال”.
وأكد ان “لا نيّة لدينا للتوقف بل للتوسع المستمر”، وقال: “يحتاج المجتمع العكاري لمزيد من فرص العمل والاستفادة بشكل مستدام من المقدرات الطبيعة التي لديه، وبتحقيق ذلك، نستطيع ان نؤمن استمرارية الحفاظ على التنوع الطبيعي من خلال الممارسات الصحيحة وليس فقط من خلال الشعارات والسلوكيات التي خلقت رد فعل سلبيا وتحسسا للمجتمعات المحلية من الحماية الجائرة التي تضع اولوية لجنس دون الآخر، في وقت يجب على كل الاجناس التعايش بتكافل في دورة حياتية اقتصادية بيئية تمنح الانسان دوره العادل والطبيعي ضمنها”.