حاضر وزير الإعلام في حكومة تصريف الاعمال زياد المكاري عن “الاعلام اللبناني بين الواقع والمرتجى”، في قاعة المؤتمرات الكبرى لنقابة المحامين في طرابلس، بدعوة من مركز التدرج والتدريب في النقابة، بحضور النواب: جميل عبود، طه ناجي وايلي خوري، انطوان فنيانوس ممثلا النائب طوني فرنجية، موسى العش ممثلا النائب ايهاب مطر، نقيبة المحامين في طرابلس والشمال ماري تيريز القوال، الرئيسة الاولى لمحاكم الشمال ستية السبع، نائب نقيب المحررين غسان ريفي، نائب رئيس المجلس الوطني للإعلام ابراهيم عوض، رئيس اللجنة الوطنية لليونسكو المحامي شوقي ساسين، ممثل مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد طارق إمام الشيخ فؤاد اسماعيل، المطران أدوار ضاهر، ممثل المطران يوسف سويف برنار ابراهيم وعدد من النقباء السابقين وحشد من المحامين والمتدرجين.
بداية النشيد الوطني فنشيد النقابة، ثم كلمة ترحيب من المحامي طوني تاجر أثنى فيها على دور وزير الإعلام، مشددا على أن “حرية التعبير حق مشروع”، عارضا لحق الفرد في استخدام الحرية والضوابط الشخصية والعامة.
القوال
ثم قالت نقيبة المحامين في طرابلس والشمال: “زياد المكاري، الأخ والصديق من زمان وطول الزمان، وابن الصباحات الزغرتاوية والأماسي الإهدنية، والوجه السياسي والاجتماعي المميز، المتولي وزارة إشكالية في ظروف إشكالية، يسرني أن أرحب به في دار نقابة المحامين محاضرا في بعض هموم وزارته، التي تشكل في العمق كثيرا من همومنا”.
اضافت: “أبدأ بالإيجابيات لأهنئ معاليه على جهوده المتواصلة التي أفضت إلى اعتماد بيروت عاصمة الإعلام العربي للعام الجاري، وهو لقب تستحقه بلا ريب المدينة التي كانت السباقة في دنيا العرب إلى إطلاق مناخ الحرية الذي بسط مداه الفسيح أمام الأقلام الحرة والعقول المتنورة لتكتب انبعاث الشرق من سباته الطويل الذي استمر قرونا عديدة. وبيروت عاصمة للإعلام العربي فعالية تؤكد أن الثقة الخارجية بالبلد لا تزال متوافرة، بالرغم من جميع الظروف القاسية المعروفة، وأن استعادة هذه الثقة تحتاج إلى وجود أشخاص موثوقين قادرين على العمل بتجرد وتخطيط ورؤية سياسية وإدارية وتنموية واضحة”.
وتابعت: “أما عن الهموم الوطنية والنقابية فما أكثرها، لكنني أود الاستفادة من وجود صاحب المعالي في دار الحق والعدل، لأشير إلى واحدة منها باتت تشكل ظاهرة متفشية، وهي تحول الإعلام أو بعضه في لبنان إلى أقواس محاكم، يتولى القضاء فيها مراسلون ومحللون ومقدمو برامج ومذيعو أخبار، بدلا من النيابات العامة وقضاة التحقيق والأساس، فيما القانون علم جليل يقصر عن مداه حتى القضاة والمحامون، إذ يصيبون تارة ويخطئون تارات فيكون استئناف وتمييز ووجوه طعن أخرى، وأما المحاكمات الإعلامية عندنا فهي دائما حقيقة لا تناقش ولا يقاربها خطأ، ولا تقبل مراجعة”.
وقالت: “يقودني الحديث في موضوع القضاء الى إبداء الأسف الشديد على ما آل اليه صرح العدالة من تصدع وضياع، لم يشهد التاريخ القانوني مثلهما منذ إنتهاء نظم الإستبداد والأوتوقراطية. إن نقابة المحامين بمقدار تشبثها بالحرية قيمة إنسانية عليا ومبدأ دستوريا ساميا، ونهج عيش وطني، وبمقدار إيمانها بدور الإعلام في نقل الحقيقة وكشف الفساد ونشر كلمة الحق، تؤكد أيضا التزامها الثابت بأن العدالة لا ينبغي لها أن تخرج من أصولها وملفاتها وقوانينها لتصبح وجهة نظر شعبية أو إعلامية أو صحافية، وذلك حرصا على الحقيقة نفسها في جميع الملفات”.
وختمت: “لا يسعني الا أن أنوه بالزميل زياد عجاج الذي شحذ عقله وقلمه وراح يتابع إشكاليات الإعلام، ولا سيما الجديد منه المنشور على وسائل التواصل الحديثة، وها هو يتحفنا اليوم بكتاب قيم حول هذا الموضوع فيه من المقارابات القانونية ما يشكل مرجعا للقضاة والمحامين”.
المكاري
بدوره، قال المكاري: “ليس خافيا على احد انه كلما ازدحمت الاحداث وتأزمت الاوضاع، تعاظم وضع الاعلام وبرز دوره أكثر، باعتباره مرآة الواقع. عندما نتحدث عن واقع الاعلام اللبناني، نذهب تلقائيا الى امرين: حرية التعبير وسرعة الاثير. الأولى نشأنا عليها واكتسبناها بالفطرة والتربية، والثانية نجهد للحاق بتطورها كل يوم وكل ثانية. انها وتيرة التسارع الرقمي الهائل، الذي انطلق من فيسبوك قبل اكثر من عشر سنوات، وها هو اليوم يحط الرحال في الميتافرس، اي ما وراء الواقع والحدث. بين هذين الحدين يبدو الاعلام اللبناني فرسا جامحا لا يتوقف عن اجتياز مسافات ضوئية مع كل اشراقة شمس”.
اضاف: “في باب الحرية لا بد من التوقف عند مسلمة اساسية هي المسؤولية والالتزام والحكمة. فالحرية ليست اطلاقا، ولم تكن يوما أن نقول ما نحب قوله، وان نكتب كيفما شئنا وان ننشر كل ما نريد. الواقع ان الحرية هي كالمعرفة، عبء على الانسان ما لم يحسن استخدامها. الحرية ليست تحررا من القيم ولا تفلتا من الأصول، إنها مسؤولية كبرى يقتضي ان نقف امامها بحكمة ووعي لمراميها وأبعادها. فكم من حرية انقلبت فوضى لانها لم تكن معقلنة ولا حكيمة؟ وكم من كلمة أفلتت من عقالها ولامست خانة الفتنة لافتقارها الى التأني قبل النشر والى الغربلة قبل البث؟ أليس أول الحرب كلاما؟ هل السرعة هي المقياس اليوم؟ قد تكون كذلك، ولكن ماذا عن التسرع؟ أليس فيه قتل للحقيقة أحيانا كثيرة، بل وقتل للانسان نفسه؟”.
وتابع: “ما أحوجنا اليوم الى المواءمة بين الحرية والمسؤولية، وبين السرعة والتأني، ففي طريقنا الى ممارسة حريتنا قد نترك ضحايا، وفي دربنا نحو ال rating قد نخسر عناصر كثيرة كالصدقية والعمق والمضمون الموثوق به. لا مغالاة في القول إن واقع اعلامنا في لبنان أقرب الى الفوضى لكثرة ما ينعم بالحرية، وخصوصا على مستوى المواقع الالكترونية التي لامس عددها الالف، كما لا مبالغة اطلاقا في اعتبار اعلامنا سباقا الى احدث ما بلغه الذكاء الاصطناعي والتطور التكنولوجي. فبعدما ملأنا فضاءنا فكرا وادبا وسياسة ورياضة وفنونا متنوعة، ها نحن نتجه بخطى متسارعة نحو الميتافيرس، جامعين بين الواقع والمفترض، وواضعين اللامحدود في اطار المحدود. لا عجب في ذلك، فمن حيث نحن اليوم، على مقاعدنا، صار متاحا لنا ان نعبر بلمحة من المحيط الى الخليج، ومن الصين الى اميركا، كل ذلك افتراضيا، وكأننا تحت سقف الواقع”.
وقال: “لقد تقلصت كليا المسافات الضوئية التي كانت تفصلنا عن العالم الافتراضي، وتآكلت الحدود الفاصلة بين ما كان واقعا وما هو مرتجى، حتى امحت كليا وتماهى واقعنا الاعلامي مع المرتجى. بمعنى آخر، ما عاد اي امر مستحيلا مع التسارع التكنولوجي الهائل، وبدت كل ايماءة في عالم الاعلام تأريخا للحظة وتصويرا لفكرة وتسطيرا لحدث، حتى قبل أن يولد. هل يجوز السؤال بعد عما نرتجيه من الاعلام اللبناني؟ أسارع الى التأكيد بما يشبه الجزم ان جل ما يمكن ان نرتجيه ينحصر في نطاق المعنى لا المبنى، أي في المضمون الذي علينا تقديمه، خاليا من كل نزعة شخصية ومتجردا من كل مأرب حزبي او طائفي او شخصاني، وتائقا الى مهنية صافية طافحة تنقل ما تراه العين بموضوعية ورصانة، في قالب بالغ العصرية والحداثة وفائق السرعة”.
اضاف: “نعم يا سادة، اعلامنا اللبناني سبق الجميع الى النبوغ، قلما وقلبا وقالبا، ولا ينقصه سوى بعض الهدوء في زمن التوثب، وبعض الحكمة في زمن التحكم والتشبث بالرأي..
هذا واقعنا الاعلامي وهذا مرتجانا، شكلا ومضمونا، وكلي ثقة وايمان بأن المسافة التي لطالما بدت شاسعة بين الحدين، آخذة في التناقص والتقلص والتقارب بفضل أقلام خيرة وتقنيات نيرة تصب كلها لمصلحة الفكر اللبناني المنزه عن كل شخصانية”.
وتحدث المكاري عن المهمات التي يقوم بها في وزارة الاعلام، قائلا: “ما دمنا نعاني من عدم تعافي القضاء فإننا سنستمر في معايشة هذا الواقع، ونحن عند كل إشكال يقع وعندما نجمع وسائل المرئي والمسموع، الذين نشكرهم على تعاونهم، نؤكد العمل الايجابي، فمعلوم انه انتزعت صلاحيات كثيرة من وزارة الاعلام في زمن تقدم فيه المسعى لالغائها وذهب قسم كبير من صلاحياتها الى المجلس الوطني للإعلام ، إنما نقول إننا قادرون على التفاهم بين بعضنا البعض على كيفية إدارة الأمور الإعلامية والازمات التي نقع فيها بمسؤولية وأخلاقيات مهنية، مع العلم أننا نعاني كثيرا، فقد جرى في وقت سابق التوقيع على اكثر من ميثاق شرف ولكن من دون اي آلية لتنفيذ اي ميثاق، والخرق يحدث كل يوم عبر المرئي والمواقع الالكترونية”.
اضاف: “اما في معرض الحديث عن قانون الاعلام فكما تعرفون هناك قانون موجود لدى مجلس النواب، والاعلام يتطور بسرعة كبيرة والناس تتطور أيضا، وقد وقعنا في مشكلة الافتقار الى قانون للإعلام. ومن جهتنا في وزارة الاعلام تعاطينا مع الاونيسكو في هذا الصدد، سعيا للافادة من خبرات وتجارب، وحضر الى لبنان محام يتعاطى حصرا بقوانين الاعلام، وهو طوبي مانديل من كندا وقد عقدنا معه جلسات عدة، ومنها بحضور نقيبي الصحافة والمحررين، وخرجنا ببعض النتائج وما يمكن ان نطوره من جانبنا في هذا الخصوص، على أن يكون ذلك بالشراكة، وان نعمل سويا، وهي المرة الأولى يجري العمل بهذه الطريقة، وقد عمدنا الى سحب القانون الموجود في اللجان النيابية بعد الاذن طبعا من مجلس النواب، وقمنا بعرضه على الموقع الإلكتروني للوزارة ، على أن يكون هناك تشارك بين الوزارة وكل من يهتم بقانون الاعلام، سواء من صحافيين او محترفين او نقابات او مؤسسات وجمعيات، وقد وردنا الكثير من الملاحظات، ونحن في هذه المرحلة نعيد النظر في مسار الأمور والى اي اتجاه يتحول فكر الإعلاميين والصحافيين، وكيف يرى الناس الاعلام والاكيد ان هناك الكثير من الاراء، منها ما هو مفيد وجيد ومنها ما هو غير مفيد عمليا”.
وتابع: “لقد قمت في سياق متابعاتي بزيارة مدعي عام التمييز، وطالبت بتنظيم الدعاوى على الصحافيين، وذلك بعد تكرار الشكاوى من الصحافيين جراء الادعاء عليهم لدى الشرطة القضائية او المخابرات او لدى محاكم مدنية او حتى جزائية، وطالبت بتوجيه كل الدعاوى الخاصة بالصحافيين الى محكمة المطبوعات، ولم نتلق أجوبة واضحة فالامور متشعبة وليس من السهولة بمكان ان ننظمها، وفي الوقت عينه وفيما نتمسك نحن بمحكمة المطبوعات نرى انه في العالم لم يتبق الا خمس محاكم مطبوعات، وثمة رأي انه يمكن فعلا للصحافي ان يحاكم في المحاكم العادية، ومن يجب أن توفر الحماية للصحافيين من النقابات المعنية من محررين وصحافة وربما للعاملين في المواقع الإلكترونية لاحقا، والخطوة الأهم ان نتطور وأن نحدد موضوع المحاكمات ونبتها بشكل نهائي.
ولا ننسى أننا في لبنان لا نتمكن من تحقيق اكثر من نسبة معينة من اي قانون مثالي نتوصل اليه، ولذلك نعجز ويعجز البلد عن التقدم، ثم ان قوانين الاعلام في العالم تتطور كل سنتين وتتغير، فالتكنولوجيا سريعة جدا والمتغيرات الإعلامية أيضا، ونتخيل كيف أننا نتمسك بقوانين عمرها عشرات السنين، من هنا نرى ونعاني من الفوضى”.
وقال وزير الاعلام: “ثمة صعاب أخرى نواجهها قد يكون من الصعب تنظيمها وهي تلك المتعلقة بالتواصل الاجتماعي، نعم هذا أمر من الصعب جدا أن ننجح في تنظيمه، ونحن على اتصال دائم مع جمعيات اممية ومع هيئات قد تكون تمكنت من الإفادة اكثر منا من التواصل الاجتماعي للخير، ووجدنا ان وزارة التربية يمكن لها ان تنفذ توجها للطلاب الصغار بتخصيصهم برخص تواصل اجتماعي فيتعلموا كيف يفيدون من هذا التواصل للخير لا للشر ولا لخطاب الكراهية الذي نعيشه في لبنان، ولا لتعميم الاخبار الزائفة. ونحن من جهتنا اتصلنا بمعالي وزير التربية الشيخ عباس الحلبي، ومع undp في مسعى لنضيف الى المناهج امورا تشبه ما يحصل في الخارج”.
اضاف: “طبعا نحن نسعى الى تنظيم المواقع الإلكترونية ونراعي الخيط الرفيع بين حماية الحرية او قمعها، ونقوم بذلك بحرص، لاجدد اليوم التأكيد في هذا الصدد أنني موجود لاحمي الحريات. وليس من صحافي وليس من وسيلة اعلامية، تعرضت لأي أمر الا وكنت موجودا. من هنا نسعى الى تنظيم عمل المواقع وفق حد ادنى من المقتضيات وبالطبع بالتنسيق مع المجلس الوطني للإعلام. أما بالنسبة لتلفزيون لبنان فهذه مؤسسة نلتقي على ذاكرتنا معها، انها مؤسسة وطنية كبيرة وعندها مشاكل اكبر بكثير مما نعتقد جميعا، وقد أخذنا على عاتقنا التحدي ان نحاول ابقاءها على قيد الحياة، وسترون كل أسبوع أو كل أسبوعين تطورا ما”.
وتابع: “أما موضوع بيروت عاصمة الاعلام العربي، والتي نطلب مشاركة الجميع فيها، فهي فرصة كي نقول إننا موجودون وان بيروت موجودة على الخارطة الإعلامية والثقافية في العالم العربي، ويوم اتخذ هذا القرار كنا في القاهرة في مجلس وزراء الاعلام العرب، وقد اصررت على زيارة جريدة الاهرام، ويمكن عند مداخلها ان نشاهد صور المؤسسين اللبنانيين بشارة وسليم تقلا، من كفرشيما، إنه مشهد لبناني بطرابيشهما، ونرى أيضا مع الأدباء المصريين ادباء لبنانيين، وهذا يعني كيف أننا موجودون في كل مكان. وكان حديثي شخصيا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي عن لبنان، وما أثار حماستي اكثر لنقبل كلبنانيين هذا التحدي هو إهتمام الأخوة العرب، وهذه المحبة فوق العادة، ونلمس مدى محبة لبنان وتقدير بيروت وفن بيروت وثقافة بيروت، ففي ٢٣ الجاري سيكون هناك انطلاقة لفعاليات بيروت عاصمة الاعلام العربي بحضور وزراء الاعلام العرب، ونعلن عن ذلك بالتفصيل في وقته. وهذا الأسبوع التقيت كل السفراء العرب في وزارة الاعلام، واكدنا واياهم على التشارك، ونطلب من الجميع ان يدعمنا ويدعم بذلك بيروت وكل الأجيال التي لا تعرف قيمة بيروت ولم تسمع بالزمن الجميل الذي عشنا جانبا منه. انها فرصة لكثير من المساهمات لتحيي هذا الحدث الكبير وتحظى برعايته”.
وختم: “اخيرا هنا نحن في طرابلس مدينتي الثانية، احبها من القلب وصورتها تشوه وقد اتخذنا قرارا بأن نخرجها من هذا المشهد بتظهير صورتها الإيجابية إعلاميا”.
توقيع كتاب
ثم رعى المكاري توقيع كتاب المحامي زياد عجاج “الاعلام الرقمي والاجتماعي وأثره على الفرد والمجتمع”.
وألقى عجاج كلمة تناول فيها تحديات الاعلام المعاصر والافتقاد الى القوانين الراعية.