اعتبر وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى “أن التراثَين المادِّيَّ وغيرَ المادي اللذَينِ تكتنزهما ثقافتُنا، في أميون وغيرِها من البلدات والمدن اللبنانية التي وُلِد التاريخُ في جوارِها، لا ينبغي لهما أن يظلّا أبدًا في موقع الحنينِ والتباهي العاطفيّ بما أنجزه من سبقونا إلى سكنى هذا الأديم والتظلُّلِ بهذه السماء”.
وقال : “علينا الإقرار بأنَّ للأماكنِ، مثلَن، أرواحًا تحيا بها، وأجسادًا على شبه أجسادِنا تجوع وتعطشُ وتعرى وتنوجع، وتُبْعَثُ حيَّةً من بعدِ موت. يكفيها أن تمرَّ بحجارتِها رنّاتُ أزاميلَ جديدة، لتنفضَ عنها أكفانَ الغبار، لا بل يكفيها أن يحسَّ بها ناسُها كما تحسُّ بهم، فيحتضنوها كما تحتضنهم، ويُسْكنوها في قلوبِهم كما تسكِنُهم في قلبِها.”
وأضاف: “هكذا بفعل الاهتمام اليومي الدائم تبقى المطارحُ على قيد الحياة. ولعلَّ اللغةَ العربيةَ أوجزَتْ هذا بلسانِها الفصيح، عندما استعملت لفظة “الحيِّ” للمكان الجغرافي وللإنسانِ على حدٍّ سواء، حتى بات بوسْعِنا اليوم أن نقول: ما أحبَّ أن تبقى الأحياءُ مكتظَّةً بالأحياء.”
كلام الوزير المرتضى جاء خلال زيارة له لبلدة اميون في الكورة تلبية لدعوة من المجلس البلدي وتفقد المعالم التراثية والاثرية ، وقبل الجولة كان للوزير المرتضى استقبال حاشد في بلدية اميون، في حضور مدير مكتب المنظمة الدولية الفرنكوفونية في الشرق الاوسط السفير levon amirjayan ، نواب الكورة الدكتور فادي كرم ، جورج عطاالله واديب عبد المسيح ، رئيس اللجنة الوطنية اللبنانية للاونيسكو المحامي شوقي ساسين ، مسؤولة الشؤون الفرنكفونية بشرى بغدادي ، نائب رئيس اتحاد بلديات الكورة ربيع الايوبي ، عضو المجلس السياسي لحزب الله الحاج محمد صالح ، القاضي اميل العازار ، منسق اللجنة الاسقفية للحوار المسيحي – الاسلامي في الشمال جوزيف محفوض، منسق شبيبة كاريتاس لبنان بيتر محفوظ مممثلا بمدير عمليات وحدة الطوارئ جورج فاضل ، رئيس اقليم الكاريتاس الكورة المحامي جورج طحان ممثلا بنائبه الدكتور جورج حداد ، مسؤولي من الصليب الاحمر وجمعيات ثقافية واجتماعية وصحية ، رؤساء بلديات ومخاتير وحشد من المهتمين رئيس واعضاء المجلس البلدي والفاعليات السياسية والثقافية والاجتماعية
وتابع: “لو أُعْطِيَ لأيِّ وزارةٍ أن تختار مقرًّا لها خارج العاصمة، في البقعة التي تشبهُها من أرض لبنان، لما تردَّدَت وزارةُ الثقافة في اختيارِ الكورة مستقرًّا لها. فهذه المنطقة تشكل بتاريخِها وحاضرِها واحدةً من أكثر مناطق الوطن التصاقًا بالثقافة، إبداعًا وعيشًا يوميًّا، حتى ليتعبُ القلمُ إن أراد تَعداد القامات الثقافية الكورانية التي ملأت سماء لبنان والعالم. فيليب بولس أحد واضعي قانون العقوبات الذي لا نزال إلى اليوم نطبق أحكامه؛ فؤاد سليمان / تموز رائد الأدب السياسي الاجتماعي والإرهاصةُ الأولى لقصيدة النثر العربية، شارل مالك واضع شرعة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، خليل جريج مؤسس معهد الدروس القضائية، وعبدالله سعادة سيد المنابر وقائد الثورة في سبيل الوعيِ القومي في مواجهة الاحتلال الصهيوني والشرذمة والمفاسد الاجتماعية، وكثيرون كثيرون من الراحلين الذين سطعوا كالنجوم الزاهرة؛ ومن الأحياء الذين يفتخر بهم لبنان في جميع ميادين المعرفة الإنسانية والذين أحجمُ عن ذكرهم كي لا أقصّرَ في حق أحد أو أجرحَ تواضعَ أحد. هؤلاءِ كلهم، كالزيتون في السهلِ الذي حولنا، أعطَوا الكورةَ معنًى للخضرة، متميزًا، يلون النفوسَ بالسماحةِ والانفتاح، وتصير فيه الآمالُ خضراءَ من شدة الثقة بالغد الأفضل”.
وأضاف: “اليوم جئتُ إلى عاصمة الكورة أميون تلبية لدعوة المجلس البلدي فيها من أجل القيام بجولةٍ في أحيائها الداخلية بقصد زيارة بعض معالمها التراثية والعمرانية العريقة. ولقد كان لي أن أتصفّح منذ أيام أوراقًا، فيها خلاصاتُ تقاريرَ متعلقةٍ بالتنقيبات والدراسات الأركيولوجية التي قامت بها جهات غربية ومحلية، في مواقع محددة من هذه البلدة، فتبين لي أنها بقعةٌ من أرض لبنان، لا تتمتع بتاريخ رحيب فحسب، بل هي قبل كلِّ شيء فرصة واعدةٌ لاحتضان المستقبل. ذلك أن التراثَين المادِّيَّ وغيرَ المادي اللذَينِ تكتنزهما ثقافتُنا، في أميون وغيرِها من البلدات والمدن اللبنانية التي وُلِد التاريخُ في جوارِها، لا ينبغي لهما أن يظلّا أبدًا في موقع الحنينِ والتباهي العاطفيّ بما أنجزه من سبقونا إلى سكنى هذا الأديم والتظلُّلِ بهذه السماء، بل علينا الإقرار بأنَّ للأماكنِ، مثلَن، أرواحًا تحيا بها، وأجسادًا على شبه أجسادِنا تجوع وتعطشُ وتعرى وتنوجع، وتُبْعَثُ حيَّةً من بعدِ موت. يكفيها أن تمرَّ بحجارتِها رنّاتُ أزاميلَ جديدة، لتنفضَ عنها أكفانَ الغبار، لا بل يكفيها أن يحسَّ بها ناسُها كما تحسُّ بهم، فيحتضنوها كما تحتضنهم، ويُسْكنوها في قلوبِهم كما تسكِنُهم في قلبِها، مشيرًا الى إنه “هكذا بفعل الاهتمام اليومي الدائم تبقى المطارحُ على قيد الحياة. ولعلَّ اللغةَ العربيةَ أوجزَتْ هذا بلسانِها الفصيح، عندما استعملت لفظة “الحيِّ” للمكان الجغرافي وللإنسانِ على حدٍّ سواء، حتى بات بوسْعِنا اليوم أن نقول: ما أحبَّ أن تبقى الأحياءُ مكتظَّةً بالأحياء”.
وقال: “من الواضح أن المجلس البلدي في أميون يقارب مسألة التراث من هذا المنظار، ويتطلَّعُ إلى جعل الثقافة محرِّكًا من محركات الاقتصاد المحلي، كما كان الزيتون، وهو السلعةُ الاقتصادية الأولى ههنا، محرِّكًا أوَّلَ من محركات الثقافة التي بها اشتُهِرَ أبناءُ الكورة. وفي هذا الخصوص يطيب لي أن أشاركَكم ما أردِّدُه دائمًا على مسامع أصدقائي الكورانيين، وهو أن شجرة الزيتون تفيض بالمنافع المتعددة، إذ ليس فيها شيءٌ لا يُستفادُ منه، بدءًا من حطبِها وصولًا إلى زيتِها ومشتقاتِه؛ هذا صحيح، لكنّ لها في الكورة ثمرًا آخر ومنفعةً أجزَل، هي العلم الذي انتشرَ بفضلِها في كلِّ العقول، والثقافةُ التي وهبَت أهل الكورةِ هويَّتَهم الحضارية”.
وفي سياق كلمته شدد المرتضى على الوحدة بين اللبنانيين، وقال: “يحتفل لبنان اليوم بعيدٍ وطني جامع، هو عيد البشارة. ولكم كنا نودُّ لو أننا نقيمُ احتفال العيد المركزي برعاية رئيس للجمهورية، الذي يكتسبُ وَفق أحكام الدستور صفة الجامع للبنانيين، والحارسِ لنظامهم وعيشِهم الواحد. الآن من ههنا، من الكورة التي تجسِّدُ فعليًّا هذا العيش، أجددُ دعوةً لا أزالُ أقولُها في كل مناسبة، وهي نداءٌ ذو وجهتين: الأولى إلى المواطنين أن تشبثوا بوحدتِكم التي هي ضمانةُ بقائكم أسيادًا على قراركم ومصيركم، والثانيةُ إلى المسؤولين أن بادروا بدون تأجيل إلى الحوار والتلاقي والتفاهم، فهذه أقصر السبل التي توصل إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يقود مع الحكومة العتيدة عملية التعافي الاقتصادي، إنقاذًا لما تبقى، من ناسٍ وآمالٍ ومقدّراتٍ وإمكانات نهوض. وفي النهاية شكرًا لكم جميعًا على هذا الاستقبال العائلي”.
وكان افتتح النشاط بالنشيد الوطني وترحيب من عريفتي الاحتفال رولى غنطوس والدكتورة كورين الحاج عبيد بالحضور وعرض لاهمية المناسبة ، القى الشاعر طوني خزامي قصيدة شعرية من وحي المناسبة .
وكلمة ترحيب من رئيس بلدية اميون بالوزير وبالحضور شاكرا للجان في البلدية واهالي البلدة المقيمين والمغتربين دعمهم الدائم للبلدية لانجاح مهامها على كافة الاصعدة والمجالات التي تنعكس ايجابا على البلدة واهاليها ، شاكرا لنواب الكورة تنسيقهم ومساعدتهم الدائمة في تامين حاجات القضاء ، مستذكرا دور اهالي البلدة القدامى”الذين كانوا رمز العطاء والتضحية منذ القدم والذين وصلوا الى مراكز ومناصب مميزة في الحياة منذ اكتر من مئة سنة”، مؤكدا ان “عمل بلديات الكورة ونجاحها قائم على دور رؤساء البلديات وعملهم الذاتي والشخصي مع اهالي بلداتهم والنواب”.
كما استعرضت العضو في المجلس الاستراتيجي لجامعة التكنولوجيا والعلوم التطبيقية اللبنانية الفرنسية الدكتورة ليلى سعاده فرح في كلمتها تاريخ اميون منذ مئة الف سنة والتي تعتبر من اقدم المدن اللبنانية الداخلية ، مشيرة الى أن “اميون بلد العلمنة واالانفتاح والتوسع الحضاري”، وشكرت لكل من يساهم بتحسين والكشف عن التراث التاريخي في المنطقة وخصوصا في الكورة .
ثم زار الحضور مركز المطالعة والتنشيط الثقافي CLAC في البلدية ، و معرض اللوحات عن المسح الاثري الذي اجرته كل من البعثة الايطالية NOLEP والمديرية العامة للاثار والجامعة اللبنانية في قاعة البلدية .
وفي الختام جالوا على الكنائس الاثرية في البلدة وساحة كنيسة القديس سمعان العامودي ومعرض “بيت “ستي للتعرف على اثارهم .