ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: “عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، التي هي خير الزاد لنا، {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}.والتقوى هي أن لا تقدم رجلاً ولا تؤخر أخرى، ولا نطلق كلمة، ولا نتخذ موقفاً، أن لا نؤيد ولا نعارض، أن لا نحب وأن لا نبغض إلا بعد أن نعلم أن في ذلك لله رضا. التقوى أن لا يجدك الله حيث نهاك، وأن لا يفقدك حيث أمرك.. فالله يراك في المواقع الذي يريد أن تكون فيها، وتبتعد عن كل المواقع التي نهاك عنها، فأنت يجب أن تقف حيث يكون العدل وحيث يكون الإصلاح وحيث العلم والعمل الصالح، وحيث الجهاد في سبيله، وفي مواجهة الظلم والفساد والانحراف والمنكر. وبذلك نبلغ ما وعد الله به المتقين في الآخرة، بأن {الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر}. وما وعدهم في الدنيا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}. ونحقق بذلك خير الدنيا والآخرة ونكون أكثر مسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات”.
وقال: “البداية من الذكرى الثالثة والعشرين لعيد المقاومة والتحرير الذي نستعيد فيه مشهد الانتصار الذي تحقق للبنانيين في الخامس والعشرين من شهر أيار عام 2000، ذلك اليوم الذي خرج فيه العدو الصهيوني صاغراً ذليلاً خائفاً يجر معه أذيال الخيبة والخذلان، بعدما أذاقه المقاومون مرارة الهزيمة التي لم يكن قد ذاقها من قبل، وأظهر حقيقة جيشه الذي كان ينعت بأنه جيش لا يقهر، في مقابل مشاهد العز والفخار التي عاشها اللبنانيون جميعاً وأشعرهم بمدى قوتهم. ونحن إنما نحيي هذه المناسبة العزيزة، لنستعيد هذه البطولات والتضحيات الجسام التي قدمت ممن جاهدوا واستشهدوا وسجنوا وصبروا، لننعش ذاكرتنا بها حتى لا ننسى، ولنعبر عن اعتزازنا بكل هؤلاء الذين صنعوا لهذا الوطن مجده، هذا المجد الذي كتب ناصعاً على صفحات تاريخهم ورسخوا به من خلال مقاومتهم موقعاً أساسياً من مواقع القوة لديهم، والتي تنضم إلى قوة الجيش اللبناني والتي تمثل سنداً ودعامة له لا بديلاً عنه، والتي ندعو اللبنانيين إلى عدم التفريط بها والاستفادة منها وتعزيزها في مواجهة عدو لا يزال يحتل بعض أرضه، ويشكل دائماً تهديداً له ثأراً لهزيمته وطمعاً في أرضه ومياهه وثرواته، ولأنه يراه في صيغته نقيضاً له، هو ينتظر ضعفه حتى ينقض عليه، وتشهد على ذلك مناوراته التي لم تتوقف والتي يحاكي فيها كيفية الدخول إلى قرى ومدن لبنانية، وإن كانت قوة اللبنانيين قادرة على ردعه وتحقيق النصر عليه مجدداً”.
أضاف:”إن على اللبنانيين أن يعتزوا أن هناك في هذا البلد من ما زال يفكر بالليل والنهار في كيفية مواجهة هذا العدو ويقدم التضحيات من أجل مراكمة قدراته وإمكانياته ليكون بمستوى قدرات هذا العدو وإمكاناته، ويستعد حتى للدخول إلى حيث مواقعه إن هو أراد استباحة قرى هذا الوطن ومدنه وفكر أن يغزوه مجدداً كما كان يغزوه سابقاً ويصل إلى المكان الذي يريده. ونحن في الوقت الذي نستعيد فيه مشاهد القوة والعزة للبنانيين، نرى مشهداً في الداخل اللبناني من مشاهد الإذلال لهم والذي يخشى من تداعياته، إن هو استمر على حاله ولم يتم معالجته، على قوة هذا البلد وقد تطيح بكل ما تحقق من إنجازات، حيث يستمر الترهل والانقسام على الصعيد السياسي والذي بات يعيق أية معالجات ينتظرها اللبنانيون على الصعيد المعيشي والحياتي ترفع عنهم ما يعانون منه بعدما وصل البلد إلى ما وصل إليه، والذي يخشى أن يتفاقم”.
تابع: “من المؤسف أن نرى القوى السياسية ما زالت على مواقفها تتبادل الاتهامات بالتعطيل على صعيد انتخاب رئيس للجمهورية، كلٌّ يضع اللوم في ذلك على الآخر، ولا يريد أيّ منها أن يتقدم خطوة باتجاه الآخرين لضمان هذا الاستحقاق للوصول على صيغة توافق تضمن الوصول إليه، ما يجعل البلد رهينة انتظار ما يجري في الخارج الذي يبدو أنه قرر أن يضع الكرة في ملعب اللبنانيين ودعاهم أن يتدبروا أمرهم، وهذا ما يدعونا إلى التأكيد على القوى السياسية إلى تحمل مسؤوليتها الوطنية والأخلاقية في الإسراع بإنجاز الاستحقاق الذي هو دعامة الوصول للاستحقاقات الأخرى، للحؤول دون حصول تداعيات خطيرة على الصعيد المالي أو الاستقرار الأمني لا سيما في ظل تهديدات العدو المتواصلة”.
وقال:”بالانتقال إلى الأحكام القضائية التي صدرت من أكثر من بلد أوروبي، والتي تشير بإصبع الاتهام إلى أعلى المواقع المالية في الدولة اللبنانية ما يلقي بها في دائرة الشبهة ويسيء إلى سمعتها، وقد يؤدي إلى إيقاف التعامل مع مصارفها. ونحن هنا ندعو مجدداً الحكومة اللبنانية إلى القيام بما هو مطلوب منها واتخاذ القرار الذي يعيد للمؤسسات المالية مصداقيتها، بدلاً من التلكؤ الذي شهدناه على هذا الصعيد، والذي يوحي بأن هناك من يريد التغطية على هذه الاتهامات. ونحن في الوقت نفسه، ندعو القضاء اللبناني إلى الإمساك بقوة بهذا الملف الذي كنا دعونا سابقاً إل الإمساك به، ليعرف الشعب اللبناني حقيقة ما يجري في المصرف المركزي والمصارف اللبنانية، وأي تغطية أعطيت لهم، بما جعل البلد يصل إلى ما وصل إليه وما جعل أموال المودعين تضيع، على أن يكون القضاء هو المرجع، وذلك بعيداً من التدخلات السياسية وغير السياسية”.
أضاف: “من المؤسف أن نرى القضاء الدولي يتدخل لكشف مواقع الفساد، فيما لا يزال القضاء اللبناني مكفوف اليد ولا يتحرك إلا بحدود، ليبقى من أساءوا الأمانة وقوضوا صورة البلد أحراراً بل في طليعة المدّعين للإصلاح”.
ختم:”نتوقف أخيراً عند الاستباحة الأخيرة للمسجد الأقصى التي قام بها وزير الأمن الإسرائيلي، واجتماع الحكومة الصهيونية في أنفاق المسجد الأقصى ما يشكل تهديداً لهذا المسجد واستفزازاً لمشاعر المسلمين، وهو ما يتطلب من الشعوب العربية والإسلامية وكل أحرار العالم اتخاذ موقف موحد في مواجهة ما يهدف إليه العدو من فرض السيطرة على المسجد، وإشعاره أن هذا خط أحمر لن يمسح بالمس به أبداً. ونحن نحيي صمود الشعب الفلسطيني ومواجهته لهذه التهديدات، وندعو إلى دعمه بكل الوسائل وإشعار العدو عربياً وإسلامياً باحتضان جهاده وصموده ومقاومته وأنه ليس وحيداً في مواجهة هذا العدو”.