افتتح وزيرا الثقافة والإعلام في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى والمهندس زياد المكاري، معرض “بدايات الصحافة العربية” في متحف نابو في الهري، في حضور نقيب الصحافة عوني الكعكي، المدير العام لوزارة الاعلام الدكتور حسان فلحه، ممثل نقابة المحررين غسان ريفي، مؤسس متحف نابو جواد عدره وشخصيات وفاعليات وحشد من المهتمين.
وشدد الوزيران المرتضى والمكاري على أهمية دور الصحافة الللبنانية بشكل خاص في نشر الوعي والمحافظة على الارث الثقافي.
المرتضى
وقال المرتضى: “دخلت الصحافة إلى العالم العربي مع دخول نابوليون بونابرت إلى مصر في السنتين الأخيرتين من القرن الثامن عشر، ثم راح انتشارها يتوسع شيئا فشيئا إلى الجزائر ثم بيروت فالآستانة فسائر المدن العربية. وكان الفرنسيون ومن بعدهم المرسلون الأميركيون طلائع هذا الفن الغربي الآتي حديثا إلى الشرق. لكن انطلاقتها الفعلية كانت من لبنان في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر مع “حديقة الأخبار” لخليل الخوري عام 1858، ثم “نفير سوريا” للمعلم بطرس البستاني سنة 1860، وصولا في نهايات ذاك القرن إلى مجلة “المشرق” للآباء اليسوعيين عام 1899″.
أضاف: “لم يقصر المهاجرون اللبنانيون في مواكبة العمل الصحافي فأنشأوا صحفا وأصدروا مجلات ناطقة بالعربية في كل من أوروبا ومصر وأميركا، واستمرت هذه الصناعة على رواج مطرد طوال القرن العشرين من خلال الصحف المحلية والأجنبية التي تعرفونها. ويجمع الدارسون على أن انتشار الصحافة كان واحدا من أهم عوامل النهضة العربية. وفي هذا الإطار كتب بطرس البستاني: “الصحافة هي التي قاومت الاستبداد والمستبدين، وآزرت الحرية والأحرار وربطت الشرق بالغرب، وأطلعت المشارقة على حضارة الأوروبيين وعلومهم، وفنونهم واختراعاتهم، وسياساتهم وأحوالهم، فاستفاد منها الجاهل والعالم، وشملت بفضلها الخاصة والعامة، وكانت الرقيب الساهر على الحكام والمسيطرين، تنتقد أعمالهم وتنبههم على خطئهم، وتدلهم على طرق الإصلاح والفلاح، وألانت أساليب الكتابة وزفت ألفاظا ومصطلحات جديدة”.
وأردف: “أحببت في بداية كلمتي أن أمر مرورا سريعا على تاريخ نشأة الصحافة في بلادنا وأن ألحظ تأثيرها على تكوين المجتمعات والسلطات عندنا، مسترجعا زمن البدايات الذي اجتمعنا اليوم ههنا في هذا المعلم الثقافي، لاستعادته من جديد، صورا ووثائق وأوراقا ذات جلالة. ولقد كان بودي أن أقيم مقارنة بسيطة بين ما كانت الصحافة عليه وما آلت إليه، من أحوال ازدهار أو انكفاء، ومن قوة تطوير أو ركود، ومن مرجعية صدق أو مصدر فبركات، وأن أقابل بين أدب الصحافة بالأمس، أساليب ومحتويات، وبين لغتها اليوم، لكي تكون العودة إلى الماضي مفيدة في عملية نقد الحاضر سعيا إلى تطويره والى بلوغه الشفاء مما يعتريه”.
واستطرد: “لكن ذلك غير متاح في خطاب قصير. يكفي أن أشير إلى أن الواجب الوطني يدعونا دائما إلى مثل هذه المقارنات والمقابلات، أو بالأحرى إلى إجراء عمليات نقد مستدامة لكل ما هو بين أيدينا من نتاج الأمس واليوم، من الموروث التليد والمصنوع المستحدث الطارف، نقدا يطاول أنفسنا قبل الآخرين، لأن التعافي والبناء لا يكون إلا بالنقد العلمي الرصين، تحصينا للذات الخاصة والعامة وتطويرا لهما معا. وللمتاحف، ومنها هذا المعلم الذي يستضيفنا اليوم، دور رائد في هذا المجال، لأن النظر في مقتنيات الماضي المعروضة فيها، يحفز على مواجهة مشكلات الحاضر بصلابة وثبات مستمدين من صلابة الآثار وثباتها على مر العصور”.
كما نوه بجهور كل من عمل لإقامة هذا المعرض، قائلا: “الآن إذ نحن في رفقة تراث يقارب عمره المئتين من السنين، ينبغي لنا أن نثمن عاليا جهود من تعبوا وطافوا العالم وجمعوا مواد هذا المعرض، ليقدموا لنا صورة أخرى عن لبنان موضوعة في إطار ثقافي حي، كي نستعيض بها عن واقع مرير. ففي ظل ما يحيط بالوطن من استعصاء على مختلف المستويات في الميادين كافة، تبقى الثقافة وحدها المفتاح الذي يشرع جميع الأبواب المغلقة، وتبقى وحدها ملاذا للوطن والمواطنين: أما للوطن فلأنها هويته الحقيقية الثابتة، وأما للمواطنين فلأنها أملهم الحقيقي الثابت”.
وختم المرتضى موجها “الشكر لمتحف نابو والقيمين عليه، وألف شكر للأخ العزيز الدكتور بدر الحاج الجندي الذي يسعى الى أن يكون مجهولا من خلال تعمده البقاء بعيدا عن الأضواء لتواضع منه وايضا لأنه عقد العزم على خدمة الوعي في هذا الوطن وحفظ موروثه الثقافي ولكن مستمسكا بمبدأ “لا أسألكم عليه أجرا”، دكتور بدر نحن نقدرك كثيرا، ونستهيب علمك، ونستلهم من التزامك بقضايا امتنا، ومن وضوح رؤيتك التي جعلتك مدركا لما يتهدد تاريخنا وموروثنا وحاضرنا ومستقبلنا عنيت به كيان الشر المزروع الى الجنوب من حدودنا، أطال الله بعمرك ومدك بوافر الصحة والعافية. عاشت الثقافة وعادت الصحافة المولد الأساسي للوعي المجتمعي السليم”.
المكاري
من جهته قال المكاري: “تحت ناظري نابو إله الحكمة والكتابة، وحارس إرث المشرق في الثقافة والصحافة والفن، نفتتح اليوم معرض “بدايات الصحافة العربية”، الذي يقدم نماذج من القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، لعلنا نتذكر ونذكر ونحافظ على ما تبقى”.
أضاف: “سعيد بوجودي هنا معكم وبينكم، تحت سقف هذا المتحف الصغير بحجمه، والكبير بأدواره وأصحابه. جواد عدرة، بدر الحاج وفداء جديد، مدرسة في حفظ التاريخ وصناعات الماضي، حرصا على صناعة الحاضر والمستقبل. 400 صحيفة من مجموعة الباحث بدري الحاج صاحب فكرة المعرض، ومن مجموعة نابو، وأخرى خاصة بأصدقاء المتحف، يعيد محترفو المحتوى الثقافي نشرها من اليوم ولغاية 16 أيلول. في المختصر، هنا كنوز من عصر ذهبي لمجيدي تقييم الوزنات، وهنا بيروت!”.
وتابع: “سجل تاريخي سجل في سجل “بيروت عاصمة الإعلام العربي للعام 2023″، لصحف أثرت اللغة العربية، ونشرت الوعي الوطني والقومي، وساهمت في نهضة الأمة الفكرية، بعدما جازفت إلى حد الإبداع والتميز والتألق. وهنا أذكر أن أول صحيفة باللغة العربية صدرت في بيروت عام 1858، وكان اسمها “حديقة الأخبار” لمؤسسها خليل الخوري، وأول مجلة عربية كانت لبنانية بامتياز، حملت اسم “الفتاة” وأسستها اللبنانية هند نوفل عام 1892 في مصر، التي تقاسمنا واياها العدد الأكبر والأهم من الصحف والإصدارات العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. “بيروت عاصمة الإعلام العربي” بكل فخر واستحقاق. هي ليست عاصمة في موسم عابر، وإنما عاصمة في كل المواسم. هي بؤرة دائمة للثورة، وبقعة دائمة للحرية. رسالتها عميقة الغور وفي جوهر كيانها. هي مدينة مختلفة، وجيوشها الفكرية جعلتها كذلك. لا الاحتلالات استطاعت تدجينها، ولا الحرب تمكنت من اقتلاعها”.
وختم المكاري: “نعيش في كنف الانهيار المالي منذ أربع سنوات، وشعبنا مصلوب على خشبة قيادات متخشبة، منبهرة بالتعطيل ومنتصرة بالانهيار، تبتدع سياسة تجميل البشاعات وتصر على التقاطع الدفين وفق قصة عنزة ولو طارت، فيما البلد طار. لبنانهم هذا لا نريده، نريد لبناننا، لبنان الأمل لا الألم. لبنان الثقافة لا الجهل. لبنان الصحافة والثقافة والفن والإبداع، وكل ما هو جميل ومبدع مشرق”.
عدره
وكانت كلمة ل عدره رحب فيها بالحضور وقال: “معرضنا اليوم عن بدايات الصحافة العربية، منذ نشوئها وانطلاقها في منتصف القرن التاسع عشر وحتى الامس القريب، مما يتيح لكم الارتحال مع نسخ من اعداد الجرائد والمجلات زمانا ومكانا”.
أضاف: “لقد رافقت بدايات الصحافة العربية وجوها تركت اثرها العميق في لغتنا وفكرنا ونهضتنا، وجوه لم يغيب الموت اسماءها، هي وجوه صانعي عصر التنوير. ولعصر التنوير، بدءا من اواسط القرن التاسع عشر، رواد لا تعرفهم الاجيال الجديدة. رواد صنعوا التاريخ الثقافي، الفكري، اللغوي، الفلسفي والعلمي لهذه المنطقة، طوروا اللغة العربية وركزوا على اهمية الفلسفة والعلوم والادب والشعر ودعوا الى نبذ الطائفية ومقاومة الاستبداد والاحتلال. هؤلاء كانوا الثوار الحقيقيين، ونحن بحاجة للاستقاء منهم لبدء شرارة ثورة ثقافية جديدة. وكي لا ننسى، البداية مع ثلة منهم، بمنحوتات لوجوههم، تجدونها اليوم في حديقة متحف نابو من جهة البحر”.
كذلك شرح الدكتور بدر الحاج مراحل إنجاز المعرض، ثم كانت جولة داخله وفي الحديقة.
يذكر ان المعرض سوف يستمر لغاية شهر أيلول.