أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة، في مقر المجلس، والقى خطبة الجمعة التي قال فيها: “لقد تناولت في الأسبوع الماضي الأسس المنطقية التي يفترض أن تُبنى وتقوم الدولة عليها والتي تتحدد بالتالي وبناء عليها الحقوق والواجبات للمواطنين، وقلنا ان الأساس الأهم هو اعتبار المواطنة الصالحة واعتبار المواطنين سواء ومتساوين أمام الدولة والقانون في الحقوق والواجبات وأن المعيار الوحيد للتمايز بينهم هو معيار التقوى والصلاح أعني الكفاءة والخدمة والاخلاص للوطن والناس لأن (الناس كلهم عيال الله وأحبهم اليه أنفعهم لعياله) (والناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)”.
أضاف: “ولأن الإنسان ليس مجرد مخلوق وموجود كسائر المخلوقات والموجودات وليس مخلوقاً بيولوجياً ينمو ويتحرك يأكل ويشرب ثم ينتهي الامر به إلى الموت، وإنما هو مخلوق يتمايز عنها بأن له القيمومة عليها والتصرّف فيها بما يحقّق الغاية التي خُلق من أجلها وقد أُعدَّ للقيام بهذه المهمة وزُوِّدَ بالأدوات والمؤهلات التي تُمَكّنه من القيام بها من العقل والاستعدادات لإنتاج المعرفة والعلوم التي يستطيع بواسطتها التوغل في التعرّف على أسرار الكون والاستفادة منها واستخدامها في القيام بالوظيفة المسندة اليه كخليفة لله سبحانه وتعالى، وهو التفسير الوحيد الذي يُعطي الإنسان هذه القيمة الكبيرة وهذا البعد الاخلاقي وكل تفسير سواه (يؤخذ فيه البعد المادي وحده) يَحطُّ من قدره، بل لا يمكن عندها المقارنة بينه وبين أي موجود آخر إلا على أساس مادي لانتفاء القدرة على التفاضل لأنه معيار أخلاقي ومعنوي لا وجود له في قاموس المذهب المادي فيقال الأقوى ولا يقال الأفضل على سبيل المثال إلا تسامحاً في استخدام الاصطلاح”.
وتابع: “ولذلك، فإن هذه المعايير (الناس سواسية كأسنان المشط) أو إن (الناس صنفان إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق) أو التضحية في سبيل الآخر أو الإيثار أو غيرها من المبادئ مثل الحقّ والباطل والعدل والظلم، هي قيمٌ أخلاقية لا اعتبار فيها للقوة المادية فـــ (الضعيف عندي قويّ حتى آخذ الحق له والقويّ عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه) كما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فـــ (القوة) بالمعنى الأخلاقي تختلف عن (القوة) بالمعنى المادي واستخدام هذه المصطلحات من قبل الانظمة الملتزمة بالقيم الغربية المادية ليست بمعناها الأخلاقي وإنما بخلفية مادية بحتة مثل ان المصلحة في الحفاظ على النظام ومنع الفوضى تقتضي ذلك”.
واكد “ان قيمة الإنسان في الدين ليست نابعة من قوته المادية بل من بعده الاخلاقي والمعنوي وأنه خليفةٌ لله تعالى في أرضه وبمقدار التزامه بالمعايير الاخلاقية بمقدار ما تكون قيمته المعنوية، وكذلك الدول يحكم على تصرفاتها وفقاً لهذا المبدأ فهي تُدان عندما تتسلط وتحتكم لمبدأ القوة والغلبة وتعطي لنفسها الحق في التصرف وفقا لهذا المبدأ”.
وقال: “ان الحقوق والواجبات تتحدد في الإسلام وفقا لهذا المعيار الأخلاقي وليس طبقا لمعايير المصالح المادية، ولذلك فكرامة الإنسان لا يمكن انتهاكها ثم تبرير الانتهاك باختراع مبدأ حق القوة وتفسير هذا المبدأ على نحو خاطئ مع أن حق القوة هو استخدامها في الدفاع عن النفس ومواجهة العدوان الذي يتحوّل مع هذا التلاعب بهذا المفهوم وتفسيره على هذا النحو إلى حقّ لمن يمتلك القدرة على التغلب والسيطرة”.
اضاف: “وبالجملة، فقد عملت القوى التي تمتلك القوة الغاشمة على التلاعب بالمفاهيم لتبرير عدوانها واختراع فلسفة تبريرية لاستخدام القوة تتيح لها الدفاع عن مبدأ العدوان والاستعمار، ومن ثم إطالة أمد الاستعمار والاستفادة منه في إدانة اي مقاومة تنشأ لمواجهته للتحرّر من سطوته ووصمها بالإرهاب وفرض هذه المفاهيم وتعميمها كثقافة عامة عبر الوسائل الاعلامية والاعلانية ومراكز ثقافية أنشأت لهذه الغاية التي لم يقتصر الانخداع بها على البسطاء والسذج، بل نشأت طبقة من المتأثرين بثقافة الغرب ومتخرجي مراكزه الاعلامية والثقافية والعلمية إما تأثّراً بها أو كعملاء مأجورين طمعاً بمراكز في السلطة في بلادهم الخاضعة سياسياً وثقافياً واقتصادياً للمستعمر أو خوفاً على مصالحهم واموالهم، حيث يملك الغرب القدرة على مصادرتها والتضييق على أصحابها عبر اتهامهم بالإرهاب أو مد يد العون إلى (الإرهابيين) واعتقالهم ومحاكمتهم وسجنهم واغتيالهم إن رأى منهم خطراً على مصالحه ثم استخدام هؤلاء في فرض سياساته (أي الغرب) بما يتنافى مع مصالح بلادهم وشعبهم بكافة الوسائل بما أُعطوا من إمكانيات تتيح لهم التسويق الإعلامي المضلل لتحقيق غايات مشغّلهم الأجنبي من الانقسام الطائفي وتحريض بعض أبناء وطنهم ضد البعض الاخر وزرع الاحقاد للوصول إلى الغاية المتوخاة من تعميق الجراح والعداوات الداخلية بين المكوّنات الوطنية يستحيل معها لأم الجراح وإعادة الأمور إلى نصابها ما يفتح الباب واسعاً لإيجاد قناعة لدى الرأي العام بتقسيم البلاد إلى كانتونات طائفية يظن البعض معها أن الأمور تنتهي عند هذا الحد وهم بذلك يأخذون البلد والمواطنين إلى الانتحار، فلن تنتهي المشكلة المصطنعة بحروب بين هذه الكانتونات الطائفية بل ستتعداها إلى حروب أخرى داخل كل وحدة منها حتى تقضي على الجميع”.
واعتبر “ان هذه المشاريع غير أخلاقية أولاً، وثانياً ليس فيها مصلحة لأحد، وثالثاً لن يُسمح لهذه المشاريع بأن تمر، والاسوأ في ما رأيناه اللغة المستخدمة في انتخاب رئيس الجمهورية من لغة العزل الطائفي والمذهبي والاشتراط على بعض الأطراف التنازل عن مرشحها كشرط للجلوس على طاولة الحوار معه، وهو سقوط غير مسبوق في التعاطي السياسي بعد قانون الانتخاب الذي عزّز اللغة الطائفية والانقسام الطائفي والمذهبي، غير ان الاستمرار بهذه السياسة سيطيل المعاناة على اللبنانيين ويعطّل التوافق الداخلي للخروج بالحل. والمطلوب من القوى السياسية التعاطي الإيجابي وعقد جلسات تشريعية ضرورية لمعالجة موضوع الرواتب وغيرها بما يتصل بحاجيات المواطنين واستمرار المؤسسات في القيام بالخدمة العامة”.
واعلن “اننا نأمل بعد التطورات الأخيرة التي حصلت في البرلمان وأفضت الى النتيجة المرتقبة من فشل المناورات لبعض القوى السياسية أن يُستجاب لدعوة الحوار التي أطلقها دولة الرئيس نبيه بري التي لو اُستجيب لها في حينه لاختصرت طريق الخلاص على الجميع وسلك البلد طريق الحل والخروج من المعاناة، وكفى عناداً ونكداً واتهاماً ونكراناً الذي لا يؤدي الا إلى مزيد من الأضرار والمعاناة. وعلى الحكومة الا تنتظر الحل السياسي وتقوم بما تستطيع من حلول لمشاكل المواطنين وليس فرض المزيد من الأعباء سواء في فواتير الكهرباء غير المقبولة او غيرها”.