ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الإمام الحسين(ع) لذلك الرجل الذي قال له: “أنا رجلٌ عاصٍ ولا أصبرُ عن المعصية فعظْني بموعظةٍ. فقال (ع): أفعل خمسةَ أشياءَ وأذنِبْ ما شئت، فأولُ ذلك: لا تأكلْ رزقَ اللهِ وأذنِبْ ما شئت، والثاني: اُخرج مِن ولايةِ اللهِ وأذنِبْ ما شئت، والثالث: اطلبْ موضعاً لا يراكَ اللهُ وأذنِبْ ما شئت، والرابع: إذا جاء ملَكُ الموتِ ليقبضَ روحَك فادفعْه عن نفسِك وأذنِبْ ما شئت، والخامس: اذا أدخلكَ مالكٌ في النار فلا تدخلْ في النارِ وأذنِبْ ما شئت”. قال له يا أبا عبد الله: أنا لا أستطيع ذلك، قال له: كيف تعصي رباً تأكل من رزقه وتعيش في أرضه ويراك وأنت تعصيه، وأنت غير قادر على أن تدفع الموت عنك إذا جاءك يدعوك للموقف بين يدي الله أو أن تمنع عنك النار إن أنت استحقيت ذلك، فقال له هذا الرجل: أشهدك أني لن أعصي الله بعد ذلك.
أيها الأحبة: إننا أحوج ما نكون إلى هذه الموعظة لنواجه كل تسويلات الشيطان وأنفسنا الأمارة بالسوء ومن يدعوننا إلى المعاصي، ومتى فعلنا ذلك سنكون أقوى وأقدر على مواجهات التحديات”.
وقال السيد فضل الله :”والبداية من لبنان حيث تزداد الضغوط المعيشية والحياتية على اللبنانيين بعدما باتت “الدولرة” تغطي معظم القطاعات ووصلت إلى القطاعات الرسمية وهو ما بدأنا نشهده في فواتير الكهرباء والانترنت والماء وسنشهده في القطاعات الأخرى.
يحصل ذلك رغم أن الرواتب التي يعتمد عليها أكثر اللبنانيين لا تزال على حالها وحتى لو ارتفعت أو تمت دولرتها فإنها لن تلبي حاجاتهم، وإذا كان بعضهم قد يوفر ما يحتاجه من خلال دعم الأقارب له من الخارج، فإن الكثيرين سوف يضطرون لأن يتسكعوا على الأبواب لسد الحاجة”.
أضاف :”ولعل أخطر ما نشهده على هذا الصعيد هو الصرخة التي أطلقتها المؤسسة العسكرية والأمنية في لجنة الدفاع الوطني في المجلس النيابي حول عدم قدرتها على الاستمرار بالقيام بمسؤوليتها، إن لم يتم الوفاء بحاجات وحقوق المنضوين تحتها وهي من يقع عليها عبء حماية الاستقرار والركيزة الأساس في كيان الدولة وبموازاة ذلك كانت صرخة وزير التربية الوطنية حيال عدم قدرته على فتح المدارس الرسمية والجامعة الوطنية إن لم تؤمن الموارد الكافية لها ما سيجعل أغلبية الطلاب خارج مقاعد الدراسة لعدم استطاعتهم الدخول إلى المدارس أو الجامعات الخاصة ما يهدد كيان آخر من كيانات الدولة وهو التعليم.
وهنا ندعو المدارس الخاصة إلى أن ترأف باللبنانيين وبظروفهم وأن تكون عونا لهم في هذه المرحلة الصعبة”.
وتابع فضل الله :” إن من حق المدارس أن ترفع أقساطها للقيام بأعبائها لكن أن لا تزيدها بما ينوء به الحمل على من يريد تعليم أولاده، فيما ترتفع صرخة اللبنانيين بارتفاع كلفة الدواء والاستشفاء ما يجعل البعض يتحمل المرض كي لا يقع تحت وطأة الكلفة الباهظة للعلاج.
يجري كل ذلك في وقت لا يزال استحقاق رئاسة الجمهورية يراوح مكانه، فيما أبواب الحوار الذي كان ينتظره اللبنانيون مع قدوم الموفد الفرنسي باتت موصدة لعدم رغبة أفرقاء في الداخل بالانضواء تحته.
ونحن هنا نأمل أن تفتح الدعوة التي أطلقها رئيس المجلس النيابي أبواب الحوار وتكون محل استجابة من الجميع ويعود الحوار إلى موقعه الأساسي تحت قبة البرلمان وبعيدا عن مهب رياح الخارج”.
وأردف السيد فضل الله :”ونعود إلى الملفات المطروحة في الداخل لنشير إلى الإحباط الذي حصل للبنانيين بسبب عدم قيام القضاء بالدور الذي كانوا ينتظرونه لمحاكمة الحاكم السابق للمصرف المركزي لكونه المسؤول عن خزينة الدولة والضامن لأموال المودعين في المصارف ليعرف اللبنانيون حقيقة ما الذي كان يجري ومن تسبب بضياع أموالهم وأموال الدولة، ولعل ذلك يعيد إليهم حقوقهم وما أفسده الناهبون من مقدراتها.
لقد أثبت ما جرى أن هناك في هذا البلد من لا يريد السير في هذا الملف ويسعى لإغلاقه ويعمل بكل جهد حتى لا ينفضح أو ينكشف المستور.
إننا نعيد التأكيد على القضاء أن يعود ليتحمل مسؤوليته على هذا الصعيد وألا يستجيب للضغوط السياسية أو غيرها وأن يكون حاميا لمقدرات اللبنانيين لا حارسا لناهبي مال الدولة وودائع اللبنانيين”.
وتطرق الى القرار الذي اتخذ في مجلس الأمن بشأن التمديد لقوات الطوارئ الدولية، وقال :” كنا نأمل أن يأخذ هذا القرار في الاعتبار هواجس ومخاوف اللبنانيين من أن يتم تحويل قوات الطوارئ عن دورها الذي جاءت لأجله في حفظ استقرار المنطقة الحدودية وتوفير عنصر طمأنينة لأهلها وحمايتهم من العدو الصهيوني الذي لا يزال يستهدف البحر والبر والجو.
وهنا نجدد دعوتنا إلى العودة لتفعيل التنسيق القائم مع الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية لتبديد هذه المخاوف والهواجس منع أي تداعيات لا نريدها على صعيد العلاقة بين القوات الدولية وأهالي الشريط الحدودي”.
وقال :”ونبقى مع حوادث السير التي باتت تزداد في هذه الأيام بشكل مخيف وتخلف وراءها العديد من الضحايا والجرحى والأيتام والثكالى والتي تعود أسبابها غالبا إلى التهور في القيادة وعدم الأخذ بأسباب الأمان ما يدعو القوى الأمنية المعنية بالسير إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإلزام السائقين ضبط السرعة واتباع سبل الأمان، في الوقت نفسه ندعو وزارة الأشغال والبلديات إلى القيام بدورها من خلال ردم الحفر وتعبيد الطرقات وإزالة العوائق التي تؤدي إلى هذه الحوادث”.
وتحدث فضل الله عن “المشهد السوري”، حيث “نشهد في هذه المرحلة محاولات لتغيير الواقع القائم على الحدود السورية العراقية ويواكب ذلك بالضغوط الاقتصادية والاعتداءات الصهيونية المتكررة التي يراد منها الضغط على سوريا لإحداث تغييرات سواء على الصعيد الداخلي أو على مستوى المنطقة” وقال :”نحن في هذا المجال ندعو الدول العربية والإسلامية إلى عدم ترك هذا البلد العربي والإسلامي يواجه كل هذه التحديات القاسية وحده، وذلك بالعمل لمساندته على كل الصعد ليتجاوز أزماته لأن أي مس باستقراره أو بمقومات كيانه يؤثر في المنطقة بأسرها.
وختم فضل الله :”أخيرا، وأمام ما يجري في أفريقيا هذه القارة الغنية التي تختزن الكثير من الثروات الطبيعية ما جعلها موقعا من مواقع التجاذب والصراع بين الدول الكبرى مما نشهد اليوم بعض مظاهره من خلال ما يتوالى من انقلابات عسكرية… لندعو شعوبها إلى وعي مسؤولياتهم والتمسك باستقلال بلادهم وعدم السماح للعبث بثرواتهم ممن يريد نهبها أو ممن يريد العيش برفاهية على حسابهم وألا يكونوا كما يراد لهم أداة لهذه الدولة أو تلك او ساحة تتناوب على إخضاعها الدول الكبرى لتنتقل من أحضان هذه الدولة إلى أحضان الأخرى فيما شعوبها تعاني من الجوع والفقر والقهر والضعف وتكون حالهم على الحال التي قالها عنها الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول”.