تحقيق حنان نداف
في عاصمة الجنوب صيدا التي اعتادت في هذا الشهر من كل عام ان ترفع زينة الاعياد المجيدة وتفتح ايديها للوافدين من جنوبها وشرقها وشمالها، اكتفت بلديتها برفع شجرة الميلاد عند تقاطع ايليا ،فيما غابت زينة الاعياد في الاسواق التجارية بعدما انعكس واقع الاحداث الامنية على الحدود اللبنانية والحرب الدائرة في غزة حزنا وألما نغّص فرحة الاعياد لهذا العام وزاد من انكماش الوضع الاقتصادي السيّء أصلا .
و في سوق صيدا التجاري رئة المدينة الاقتصادية “لا حركة ولا بركة” فالتجار الذين يعوّلون على هذا الشهر من كل عام يشكون ركودا لم يعتادوه حتى في أحلك الظروف في ظل انهيار تاريخي للعملة الوطنية انعكس تراجعا كبيرا في القدرة الشرائية للمواطن الذي باتت اولوياته تأمين المأكل والمشرب وبالكاد المتطلبات الاساسية وهو المنهك اصلا بأعبائه المعيشية فكيف له بشراء الكماليات !
يعتبر رئيس جمعية تجار صيدا وضواحيها علي الشريف ان “صيدا عانت كثيرا السنة الحالية خصوصا في الاشهر الماضية بدءا بالاحداث الامنية التي شهدها مخيم عين الحلوة والانهيار المتتالي في الوضع الاقتصادي والسياسي وصولا الى احداث الجنوب التي هي انعكاس لحرب غزة التي اثرت بشكل كبير على مجمل الوضع ما انعكس ركودا وانكماشا في كل القطاعات”.
الشريف
وقال الشريف: “لا شك نحن نعاني الوضع الاقتصادي في الحضيض اليوم وفي حال إفلاس بخاصة القطاعات الكمالية الموجودة ، بالنسبة للاعياد لم نشهد نحن من ستينيات القرن الماضي الى اليوم هذا المأزق الاقتصادي الذي نعيشه ولا تدني في القوة الشرائية في احلك ايام الاجتياح الاسرائيلي وكل الحروب التي مرت علينا ، هذا الواقع الذي نعيشه اليوم له اسباب عدة هذا التضخم الحاصل وانهيار العملة اللبنانية اثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي وعلى القدرة الشرائية للمواطن لانها لم تتواكب الرواتب والاجور بما يوازي ما كان عليه سابقا”.
تابع : “لذلك هذه المرحلة لم يمر علينا مثيل لها كنا في السبعينات والثمانينات وكل السنوات التي تمر نعمل على تزيين المدينة خلال موسم الاعياد ولكن بدأ الانكماش في ال2018 وما فوق ومن ثم اتت الثورة في ال2019 ايضا فرملت الوضع ولكن بقي الوضع الاقتصادي لان الليرة لم تنهر بالشكل الذي انهارت فيه في ال2023 ما ادى الى تقليص القدرة الشرائية للمواطن ومن كان لديه ذخيرة نفدت ولولا وجود عدد كبير من المغتربين ويعملون على امداد عائلاتهم ولو بمبالغ صغيرة بالدولار الاميركي ما يجعل هؤلاء الناس يتنفسون “.
تابع:” اليوم هناك اولوية عند المواطن هي بالطعام والشراب والتعليم والطبابة ودفع اشتراكات الكهرباء والمولدات والمياه ما جعل الاولوية اليوم لهذه القطاعات الاساسية بالنسبة للمواطن ولكن اذا قارنا هذا العام بالعام 2022 نقول ” يا محلاها ” امام هذا الواقع الذي نعيشه، ونحن في صيدا والجنوب نعاني الوضع القائم اليوم وصيدا عانت كثيرا هذا العام خصوصا في الاشهر الماضية بدءا بالمشاكل الامنية التي شهدتها المخيمات ما أثر عليها سلبا قبل ان تتأثر أكثر بما هو الوضع عليه الان بخاصة ما يحصل في جنوب لبنان والمنعكس عن الوضع في غزة”.
أضاف : “هذا الواقع الاليم، ونحن نعاني منذ اواخر تموز نتيجة احداث المخيمات ولكن اتت ضربة قاضية اكثر في حرب غزة وما يجري في جنوب لبنان الذي ينعكس تهجيرا لاخوتنا الموجودين في الجنوب. هذا الامر جعل من القدرة الشرائية تتراجع اكثر واكثر ونعطي مثالا اننا في السنة الماضية كنا نبيع بمئة مليون اليوم لا تتعدى المبيعات الثلاثين مليونا وهي بذلك انخفضت بشكل كبير عن العام الماضي بسبب الانهيار الاقتصادي وانهيار العملة الوطنية بالاضافة الى مشكلة المصارف التي لا تفرج عن اموال المودعين الا بقدر معين وبعشرة في المئة من قيمة الدولار ( الفريش) لذلك نرى هذا الركود وهذا الجمود”.
وقال:”هذا الشهر الذي نعتبره كتجار شهرا ذهبيا ومنذ بدايته حتى نهايته يشهد حركة لافتة هذا العام بالكاد نرى زبونا وحتى لا نرى من كانوا يأتون من المناطق المجاورة وقرى شرق صيدا المنكمشة هذا العام ايضا طبعا تبعا للعوامل التي ذكرتها والوضع الاقتصادي السيء، بالاضافة الى ان المغتربين الذين كانوا يأتون في هذا الشهر من كل عام بسبب الوضع الامني والتخوف مما يجري في الجنوب جزء كبير منهم قرر عدم تمضية عطلة الاعياد في لبنان وهذا الامر يؤثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي لذاك نقيب اصحاب الفنادق ذكر ان نسبة الحجوزات انخفضت بشكل كبير وتم الغاء عدد كبير منها وكذلك فيما يتعلق بالمطاعم ولو بنسبة اقل من الفنادق ولكن ايضا وضعها ليس جيد خصوصا في هذا الشهر الذي يعوّل عليه لبنان لانه يضخ اموال في الاسواق التجارية وكل القطاعات من هنا نرى هذا الانكماش الذي لم نشهده من الستينيات الى اليوم”.
واستطرد الشريف قائلا : “تبقى المشكلة الاساسية هو اننا منذ قرابة السنة واكثر من دون رئيس جمهورية ومن دون حكومة اصيلة اضف على ذلك اعتراض الهيئات الاقتصادية على ميزانية ال2024 لانها كارثة الكوارث وتضع اعباء كبيرة على المواطن بالاضافة ايضا الى العجز الكبير في مؤسسات الدولة ودوائرها السلبية وكل هذا ينعكس سلبا على الوضع”.
وختم : “لا نرى آثار العيد بسبب هذا الواقع ولم نعلق الزينة كما جرت العادة لاننا لا يمكن ان نأخذ بعين الاعتبار الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن خصوصا الحرب في الجنوب وفي غزة وهم اخواننا ايضا والشهداء الذين يرتقون بشكل يومي وهذه الحرب نغّصت الفرحة على كل الناس دون استثناء وشلّت قدراتهم بشكل كبير”.
حداد
اجواء الحرب في غزة والجنوب ضبطت ايضا ايقاع الانشطة الميلادية التي عادة تنظمها مطرانية صيدا للروم الكاثوليك في كل عام لا سيما من خلال لجنة ” الاعياد تجمعنا ” بالتعاون مع بلدية صيدا والجمعيات الاهلية والتي غابت لهذا العام بسبب الظروف واعلن المطران حداد انه تم الاتفاق مع أساقفة صيدا الاعتذار عن عدم تقبل التهاني بالعيد احتراما لارواح الشهداء الذين سقطوا في جنوب لبنان وكذلك في حرب غزة، معتبرا ان الوقت هو وقت صلاة وروحانية وتأمل وحوار مع الله .
وقال المطران حداد : “الحرب اعطت اجواء مؤلمة للمنطقة بأسرها ولن يكون للعيد البهجة نفسها التي يحملها كل عام بخاصة انه في المنطقة التي ولد فيها المسيح فيها حرب وفيها ألم ، معاناة الفلسطينيين في المنطقة تنعكس علينا جميعا ، ونحن نشارك اخوتنا الفلسطينيين بهذه المعاناة الكبيرة” .
تابع : “نتألم للصمت الدولي لانه ليس فقط صمت وانما فعل الى جانب الاسرائيلي بتحضير المنطقة الى منطقة ربما تحاكي السلام الاسرائيلي دون العربي ككل وهذا لا اعرف اي نوع من الدولة ستبنى على حساب دول اخرى ، الغريب بالموضوع هو موقف الدول العربية الغير واضح من هذا القبيل ويدعون الامور تمشي بإطار تفاوضي جديد ، على غزة جديدة ولبنان جديد يبدو ايضا” .
أضاف : “ضمن هذه الغابة من الضبابية عيد الميلاد يأتي وقت للصلاة وللروحانية والتأمل ووقت حوار مع الله لنقول له ماذا يحدث على الأرض ولنقول له تعال من جديد الى الارض ليرى اولاده ماذا يفعلون وكيف يتقاتلون مع بعضهم البعض وكيف يتم تهميش الانسان، في الواقع أصبح هناك مفهوم جديد للشخص البشري اليوم على سبيل المثال احد كبار الموظفين في الامم المتحدة”.
وقال” انا سوف أمزق شرعة حقوق الانسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة لانه اصبح هناك مفهوم جديد للشخص البشري إنه وسيلة ولم يعد الغاية” .
أضاف : “نحن في عيد الميلاد نعتبر ان الله تجسد فالمسيح ابن الله تجسد لان غاية الله ان يكرّم الانسان بأن كم هذا الانسان كبير ولكن في هذه الحرب انقلبت المقاييس الانسان لم يعد يلبي رغبة الله بالعكس يستعمل اخيه الانسان كوسيلة لمصالحه الذاتية ولم يعد هناك اي قيم والعيد هو عيد القيم عيد مشاركة السماء مع الارض وكلها تصبح مفقودة في هذه الوحشية التي تحصل في غزة”.
تابع:” لا يمكن ان نعيد ويوجد هناك شهداء وحزن ولو اننا نقول مبروك للشهيد ولكن الشهيد ترك حزنا في عائلته لذلك لا يمكننا ان نتقبل التهاني في الوقت الذي يتقبل فيه ناس التعازي لهذا قررنا الا نتقبل التهاني هذا العام بعيد الميلاد المجيد والسنة الميلادية واتفقنا مع بعضنا كأساقفة في المدينة على هذا الامر حتى تكون مشاركة مع اخوتنا الذين فقدوا شهداءهم الذين هم شهداء لنا ايضا”.
أضاف : “هناك قضية مشتركة في لبنان يجب ان نقف ونتكاتف مع بعضنا البعض وهذه دعوة مناسبة لنتكاتف مع بعضنا البعض ليس فقط وقت الحزن والصعوبات ايضا عندما ننمي بلدنا فليس لنا غنى عن بعضنا البعض وهذه دلالة حسية اننا لا نتقبل التهاني بل نحن نذهب الى اهل الشهيد ونعزيهم ونقف الى جانبهم ولكن علينا ان نقف الى جانب بعض ايضا عندما يتعلق الامر بتنمية بلدنا بأن ننتخب رئيسًا للجمهورية وان نعيد للمؤسسات دورها فلا يعقل ان يبقى لبنان بلدًا متخلفًا وطائفيًا ويوجد فيه درجة كبيرة من الجهل بأن المنافسة السياسية تؤثر علينا وهذه ابشع من الحرب الخارجية، هناك لوحتان اليوم مؤلمتان الاولى هي الحرب في غزة وعلى لبنان ايضا ولكن الحرب الداخلية التي تحصل بين بعضنا البعض وانا ارى ان الحرب الداخلية ابشع من الحرب الخارجية مع الاسف لانها هي من هدّمتنا وأفلستنا وهي التي قضت على المؤسسات وهجّرت ابناءنا بحيث اصبح الفكر اللبناني مهاجر واصبح هناك فكر أميركي وفكر فرنسي واوروبي وغيره واللبناني اخر ما ينتمي اليه هو لبنان ، بالوقت هذه المناسبة التي حصلت هي مناسبة دعوة حتى نتلاقى مع بعضنا ونتخطى انانيتنا ولبنان يمكن ان يكون بلدًا مشتركًا بين كل الطوائف الى حين ان ننضج ولا نعد طائفيين لان المواطنة شيء آخر مختلف عن الطائفة”.