تحقيق: أميمة شمس الدين
الأسبوع الماضي أقرت اللجان النيابية المشتركة برئاسة نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب مشروع قانون نظام التقاعد والحماية الاجتماعية وأحالته إلى الهيئة العامة.
بعد نضال دام أكثر من 20 عامًا لإقرار قانون التقاعد والحماية الإجتماعية وهو قانون بالغ الأهميّة على الصّعيد الوطني ويُعتبر انجازا هامّاً لمجلس النواب والحكومة ولإدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ولكلِّ من ساهم في إقراره لما له من انعكاسات جد إيجابية على المجتمع اللبناني من خلال تأمين الحماية الاجتماعية للمتقاعدين ، فهو منذ العام 2004 موضوع تباين بين الأفرقاء، ما أدّى إلى حرمان المتقاعدين من أدنى حقوقهم من خلال المماطلة وتعطيل إقراره.
يقضي إقرار هذا القانون بالانتقال من صندوق تعويض نهاية الخدمة الى نظام تقاعد وحماية اجتماعية يستهدف تأمين إستمراريّة المداخيل للمتقاعدين الذين باتوا دون الحد الأدنى من الحماية الإجتماعية في ظل إنهيار قيمة العملة الوطنية أمام الدولار الأميركي. إلاّ أنّ الفرحة بإقراره في اللّجان النيابيّة في 29/11/2023 لم تكتمل وفقاً للمدير العام للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي الدكتور محمد كركي إذ إنّه في اللّحظات الأخيرة تم تفخيخ هذا المشروع بحيث أُدخل عليه تعديلات تنسف أسُسه وتفرغه من جوهره.
كركي قدم في حديث إلى “الوكالة الوطنية للاعلام” شرحاً مفصلاً عن هذا المشروع، وقال: “يخضع لأحكام هذا النظام إلزاميا كل من بلغ الـ 64 من العمر ولديه 15 سنة اشتراك في النظام على الاقل، من الأجراء في القطاع الخاص واللّبنانيين الذين يعملون لحساب الدولة او البلديات او المؤسسات العامة والمصالح المستقلة وأفراد الهيئة التعليمية في مؤسسات التعليم العالي وفي المعاهد الفنية غير الخاضعين لنظام تقاعد خاص بهم ، بالإضافة الى أصحاب العمل والعاملين لحسابهم الخاص بموجب مرسوم يّتّخذ في مجلس الوزراء كما يمكن أن يشارك إختياريا في هذا النظام عدّة فئات أخرى منهم اللبنانيون المقيمون في لبنان من العاملين لحسابهم الخاص واللبنانيون العاملون في الخارج” .
و أشار إلى أن “هذا المشروع يوفّر بالإضافة إلى معاش التقاعد ، معاش العجز ومعاش خلفاء المضمون في حال وفاته ضمن شروط خاصة بكلٍّ من هذه الحالات، أي أن المعاش التقاعدي ينتقل الى ورثة المضمون”، لافتاً إلى أن “هذا المشروع يأخذ عوامل عدة في الاعتبار لاحتساب المعاش التقاعدي منها عدد سنوات الإشتراك والسن الذي بلغَه المتقاعد وعامل التحويل، كما انه يأخذ في الإعتبار إمكان التقاعد المبكر ضمن شروط محددة”.
ويوضح كركي أن “المعاش يٌحتسب على أساس الأموال التي يجمعها المشترك في حسابه الإفتراضي بالإضافة الى الفائدة السنوية التي تُضاف إليها وإنّ هذا النظام يضمن، أن لا يقلّ المعاش التقاعدي عن أفضل إحدى الضمانتین:
أ- للمضمون الذي اشترك لمدة خمس عشرة (١٥) سنة كاملة، نسبة خمسة وخمسین في المئة (٪٥٥) من الحد الأدنى الرسمي للأجور، المُعتمد بتاريخ التقاعد، وتُزاد هذه النسبة واحد فاصلة خمس وسبعین في المئة ( ٪١.٧٥) عن كل سنة إشتراك إضافية، لتبلُغ في حدِّها الأقصى ثمانین في المئة (٪٨٠) من الحد الأدنى الرسمي للأجور، المعتمد في تاريخ التقاعد، من ذلك الحد .
ب- أما الضمانة الثانية، فهي عبارة عن نسبة واحد فاصلة ثلاثة وثلاثون بالمئة (٪١٬٣٣) من متوسط أجور المشترك المصرّح عنها طیلة فترة إشتراكه في هذا النظام والمُعاد تقييمها حتى تاريخ التقاعد، وذلك عن كل سنة إشتراك للمضمون ولغاية ثلاثین سنة كحد أقصى. كما يجري اعادة تقييم وفهرسة (indexation) اجور المشترك وفقا للزيادة في مؤشر متوسط أجور المشتركین، وبذلك من المفترض أن لا يقل المعاش التقاعدي لمن شارك في النظام لمدة 40 سنة مثلا عن 53.21 في المئة (53%) من متوسط رواتبه المصرّح عنها للضمان ولمن قضى 30 سنة مثلا لا يجب ان يقلّ معاشه التقاعدي عن نحو (40 %) من متوسط رواتبه المصرح عنها للضمان.
اما اذا بلغ المنتسب سن التقاعد القانوني، دون توافر شرط سنوات الاشتراك، فيصفّى حسابه الفردي الإفتراضي المتراكم، وتُدفع الأموال المستحقّة له دفعة واحدة. ويمكن، بناء على طلب المضمون، أن تقسّط المبالغ المذكورة أو أن تحوّل إلى معاش تقاعدي، دون حق الاستفادة من ضمانتي الحد الأدنى للمعاش المنصوص عليها اعلاه.
اما بالنسبة للتعديلات الخطيرة التي من شأنها أن تنسف مشروع التقاعد وتفرغه من جوهره تحدث كركي عن تعديل سن الانتساب الإلزامي إلى نظام التقاعد والحماية الاجتماعية، إذ كان يشمل المضمونين سابقاً الذين لم يبلغوا سن الـ 44 بتاريخ وضع النظام موضع التنفيذ مشيراً أنه بعد التعديل الأخير خلال الساعات الأخيرة، فبات إلزاميا للمضمونين سابقاً الذين لم يبلغوا سن الـ 49 عامًا وسائر المضمونين الذين تتراوح أعمارهم بين 49 و58 عامًا، شرط أن تكون مدة انتسابهم إلى نظام نهاية الخدمة إضافة إلى المدة المتبقية لبلوغ سن التقاعد 15 سنة على الأقل، مما يخوّلهم الحصول على المعاش التقاعدي. مؤكداً ضرورة حذف هذا التعديل عند إقرار القانون في الهيئة العامة، لأنه يحرم شريحة كبيرة من المضمونين من حق الخيار ويعتبر تعدٍيا على حرّيتهم الخاصّة ويعطّل مشاريعهم المستقبلية.
أما التعديل الآخر الكارثي كما يرى كركي فهو يتعلق بإلغاء مبالغ التسوية عن الأجراء المنتقلين إلى النظام الجديد، فقد ورد ما حرفيته “خلافاً لأي نص آخر تلغى مبالغ التسوية عن الأجراء المنتقلين إلى النظام الجديد. أما للأجراء الذين يبقون خاضعين إلى نظام تعويض نهاية الخدمة فلأصحاب العمل أن يطلبوا تقسيط هذه المبالغ لمدة لا تتجاوز عشر سنوات، على أن تُعفى أقساط السنوات الخمس الأولى من الفوائد” .
وفي هذا الإطار استغرب كركي تفخيخ المشروع وتعديله في الساعات الأخيرة، وتعمّد تضييع حقوق العمال، متخوفاً من ان يستهدف تمريره بهذا الشكل سرقة أموال التعويضات “فلقد عملنا على هذا المشروع لسنوات عديدة وبدلاً من تأجيل البتّ به أسبوعاً واحداً للتدقيق بهذه النقاط وتعديلها وفق الملاحظات التي تضمن حق العامل، لم يتم إعطاء المجال لنا للتصويب، ممّا يثير الرّيبة والشكّ حول وجود نوايا مبيّتة لهدر حقوق العمّال وتعويضاتهم”.
ختم كركي : “إن المشروع الذي تم إقراره في اللجان النيابية مهم جداً من حيث الشكل، لكنه بالجوهر بات يعفي أصحاب العمل من مبالغ تسوية نهاية الخدمة المستحقة للعمال، ويضيّع حقوقهم بدلاً من حمايتها، ولذلك، فإنّنا نتمنّى على أصحاب القرار معالجة هذه الثّغرات قبل إقراره في الهيئة العامّة لمجلس النوّاب لينال رضى وثقة العمّال وأصحاب العمل وسائر اللبنانيين ويتوّج الجهود المبذولة لأكثر من 20 عاماً. وليبصر النور قبل نهاية سنة 2023”.