احتفل رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف بالقداس الالهي لمناسبة أحد الشعانين في كنيسة مار مارون في طرابلس، عاونه الخوراسقف نبيه معوض وخدمت القداس جوقة كنيسة مار مارون، في حضور حشد كبير من المؤمنين من مختلف رعايا أبرشية طرابلس المارونية، تخلله “زياح الشعانين”، حيث طاف المؤمنون في الشوارع المدينة المحيطة بالكنيسة على وقع قرع الاجراس، مرتلين “هوشعنا في الاعالي مبارك الاتي باسم الرب”.
سويف
وبعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى سويف عظة قال فيها: ” أيها الأحياء نلتقي للإحتفال بأحد الشعانين الذي يقود إلى الفصح المجيد بعد عيش الأسبوع العظيم. فـ “الشعانين” هي دخول المسيح الملك إلى أورشليم ليحقق المصالحة والسلام في البشرية بأسرها.
اضاف:” الشعانين هي المدخل للولوج الى الفصح، هي الدخول مع المسيح الى العيد. إنه تعبير عن تجسد المسيح كلمة الله الذي صار إنسانا من الروح القدس والعذراء مريم. إنه الحدث التاريخي الذي عبره دخل يسوع ليعيش الفصح، فأصبح هو فصحنا وسلامنا، إذ أنه هو الباب الذي منه ندخل بفرح إلى أورشليم لنعيش الفصح الجديد ونسلك الطريق وتكون معه. في الشعانين نعلن عن يسوع أنه الملك، وأجمل عطية في حياتنا أننا اشتركنا في ملكوت المسيح وملكه في المعمودية، فأصبحنا ملوكاً معه ومثله وفيه ولأجل إكمال ملكوت الله فينا وفي المجتمع الإنساني، عيد الشعانين هو عيد ملوكيتنا كيسوع الملك المتواضع البسيط والذي ركب على جحش ابن أتان، الملك لم يأت ليحكم ويسيطر ويشن الحروب ولا ليحقق مكاسب، فبتواضعنا مثله نعيش الإنتصار الملوكي من خلال عيش المحبة بتواضع بتحقيق الإنسانية بعلاقتنا مع بعضنا البعض. الملك هو خادم ينحنى أمام رعيته، ملك لا يميز بين واحد وأخر، ملك يحقق العدل والمساواة بين أبناء الرعية، ملك يعرفهم ويزورهم، وهم يتطلعون إليه كقائد ويتشبهون بحياته كمثال. ونحن بدورنا مدعوون لنكون ملوكاً مثله. يحملنا هذا مسؤولية أن تكون قادة ليس بمنطق الأنانية ولا الأرباح الخاصة والمكاسب الشخصية ولا السيطرة على الآخرين والظلم واستغلال الناس، ولكن قادة مسؤولين في مملكة المحبة والخدمة والإنحناء وتحقيق العدالة والعدل والسلام، مملكة الإنسانية واحترام الإنسان”.
وتابع: “هو شعنا مبارك اللآتي باسم الرب، ملك السلام الذي يدخل إلى أورشليم مدينة السلام، السلام الذي حققه يسوع بشخصه وفصحه، بموته وقيامته. السلام الذي عليه أن يتحقق في العالم أجمع، وهو دعوة لجميع الذين آمنوا بالمسيح ليكونوا صانعي سلام وينشرون فرح قيامته إلى الذين يفتشون عنه والى ذوي الإرادات الصالحة الذين ينتمون الى كل الديانات حيث القاسم المشترك الأكبر هو السلام وعيشه وتحقيقه، ففي كل إختباراتنا الدينية نسلم على بعضنا بإلقاء تحية السلام، فالسلام هو الخيار الأساسي في حياتنا فما أجمل أن تكون من بناة السلام في حياتنا اليومية. إذا عندما تكون من محققي السلام، لا نقبل منطق الحرب ونرفض كل عنف وظلم، لأن الحرب تولد حربا والظلم يولد انتقام، وقهر الناس واستباحة حقوقهم يؤدي الى أحقاد وخصومات تنتقل من جيل إلى آخر، فيصبح من الصعب الشفاء”.
واردف: “فمسؤولية إنقاذ الأجيال الجديدة من منطق الإنتقام والحروب هي مسؤولية مشتركة أمام الضمير العالمي، فـ بأفواه الأطفال والرضع اسست لك عزة، ومن حق أطفال اليوم أن ينموا في العزة والكرامة هؤلاء أطفال يقتلون ويُشردون من الظالمين والحاقدين وأصحاب الإيديولوجيات إلى أي مذهب انتموا، فالمنهجية واحدة والنتيجة واحدة تؤدي الى رفض الآخر وقتله واستباحة الحقوق، منهجية نواجهها في الأراضي المقدسة وجنوب لبنان وكل بقعة من العالم تشتعل فيها الحروب لمزيد من المكاسب والأطماع، وخاصة في غزة المظلومة المنكوبة والتي يذبح فيها الأطفال ويقدمون محرقة. دعاؤنا في هذا العيد أن يسمع الله تسابيحهم البريئة ويوقد الضمائر لإيقاف فلا يبقين العالم صامتاً أمام هذا الظلم الفادح”.
وتحدث عن “القيادة التي عاشها يسوع وهي للخدمة وليست للسرقة وللإستفادة الشخصية ولا للمصلحة الضيقة. إنها قيادة للخير العام، فأين القادة اليوم امام احترام الخير العام في وطن ممزق منهوك القوى من جزاء إنتهاك حقوق الناس الأساسية من خلال نهج منظم متبع منذ عقود أدى الى ما نحن عليه اليوم، نهج لم يحترم المواطن وحقوقه ولا الحق الأساسي البديهي بعيش كريم ولائق. فليتعظ القيمون اليوم من القائد الأعلى والأكبر يسوع الذي أتى “لا ليخدم بل ليخدم (متى (۲۰ (۲۸) فليتعلموا من ملك الملوك ورب الأرباب وسيد السادة ويخدموا الإنسان بتحرر من الـ “أنا”. ففي حقبة الأعياد هذه، نشكر الله كعائلة لبنانية، مسيحيين ومسلمين، متوحدين في مسيرة الإيمان التي تعبر عنها كل بحسب ميزته وفرادته من صوم وصلاة وأعمال رحمة وفصح وقيامة وحياة جديدة نرجوها قريباً لوطننا الحبيب.
وختم سويف: “عيد الشعانين هو صلاة من القلب نرفعها ليتحقق السلام في كل العالم. لذا دعوتنا الأولى والأخيرة، في هذه الأيام، أن نواجه كل حقد وعنف وبغض وانقسام بالسلام فقط فطوبى لصانعي السلام، إنهم أبناء الله يدعون (متى ((۹)، ولملك السلام الشكر والسجود والهوشعنا من الآن والى الأبد. آمين”.
بعد القداس وزياح الشعانين، تقبل سويف ومعوض التهاني من المشاركين في القداس.