أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي جاء فيها: “لقد انقضى تقريباً من شهر رمضان ثلثيه وبقي الثلث الأخير، نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم وأن يوفّقنا لإتمامه واستغلاله فيما يحقّق الغاية التي أراد الله تعالى لنا بلوغها والتي أنبأنا بها وأوضحها لنا في كتابه الكريم في الآية التي شرَّعَ فيها الصوم وأوجبه على المؤمنين حيث قال عزّ من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فالغاية المطلوب أن تتحقّق من أداء هذه الفريضة هي التقوى وهي درجة من العصمة للنفس من أن تتلوَّث بالإنحراف والضلال بافتقاد المناعة أمام جاذبية الشهوات والغرائز كما قال رسول الله: “الصوم جُنّة من النار” أي منجاة من النار، وإنما يكون منجاة من النار لأنه يمنح المؤمن المناعة بما يوفّره له من قوة الارادة التي تمنعه من السقوط والانجراف وراء المغريات التي تستهوي النفس فيتحقّق له التوازن بين متطلباتها وبين المصلحة، لأنّ متطلبات النفس لا حدّ لها لو تركت وشأنها، ولذلك نَبَّهَ رسول الله ن خطرها قائلاً: “أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك”.
أضاف: “فالصوم له وظيفة وهي معالجة الخطر الخفي الذي يترصّد الإنسان ويلاحقه من داخله وهو لا يشعر به ولذلك كان أعدى الاعداء حسب تعبير رسول الله ومعه يرتقي الإنسان ليبلغ درجة التقوى التي هي شرط لقبول أي طاعة قال تعالى: (قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)، ولذلك كان لا بدّ للمؤمن من أن يؤدي هذا التكليف عن معرفة وعن قصد التقرّب إلى الله تعالى، والتقرّب الى الله تعالى إنما يكون بالإتيان بالفعل لتحقيق الغاية التي أرادها الله تعالى منه التي لا تتحقق مع الجهل. ثم ان من المعلوم ان المناسبات الهامة في هذا الشهر الشريف التي زادته شرفاً وكرامةً جعل الله تعالى في الثلث الأخير منه ليلة هي أشرف لياليه أسماها بليلة القدر وجعلها خيراً من ألف شهر، أي إن إحياءها بالطاعات والعبادات من تلاوة القرآن والتخشّع والتخضّع له تعالى بالدعاء والتصدق على الفقراء والمحتاجين وكل عمل صالح هو خير من ألف شهر من الطاعة يقضيها الانسان فيها والإلحاح عليه بالطلب لقضاء الحوائج، فقد سُمّيت بليلة القدر لأن فيها تُقدّر الاعمار والأرزاق وكل شيء من عام إلى عام، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)، فهي دعوة لنا لاستغلاها والاستفادة من كل لحظة من لحظاتها وعدم الانشغال عنها بأمور الدنيا التافهة، فقيمتها تساوي قيمة ألف شهر يقضيها الإنسان في عبادة متواصلة وهو مما يعجز الإنسان طول حياته عن تعويضه فيما لو فَوَّت على نفسه هذه الفرصة”.
وسأل الخطيب: “وهل هي بما أنها ليلة تقدير للأمور والتدبير بما فيها الأمور التكوينية مختصة بزمن الرسالة؟ أو أنها مُقدَّرة من الله وثابته من حين بداية وجود هذا الكون وكان كشفها من فضل الله على المسلمين ومن بركات رسول الله؟”، مضيفا “لم أجد مَنْ تحدّث عن هذه المسألة واقتصرت التفاسير عن الحديث حول أهميتها وفضلها، ولكن الرجوع إلى سورة القدر يُظهِر أنها غير مختصة بالاسلام وهي سابقة عليه، فقوله تعالى:(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) انها الظرف الزمني لنزول القرآن، فهي جزء لا يتجزأ من الزمن الذي سُمّيَ بشهر رمضان، وانه الوقت الذي اتخذه الله تعالى ليفرق فيه كل أمر حكيم منذ بداية الخلق، وكان نزول القرآن فيه مناسبة للكشف عنه ومما اختص الإسلام والمسلمين به دون غيره من الرسالات وغيرهم من الأمم بياناً لأهمية الإسلام ورسوله وتَفضُّلاً على المسلمين”.
وقال: “من المناسبات أيضاً في هذه الليالي الأخيرة مناسبة أليمة التي قد تكون ليلة القدر ذكرى فُجِعَ بها الإسلام وأهل البيت بل الانسانية والعالم أجمع بشهادة سيّد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقد خسر العالم أعظم شخصية بعد رسول الله، أراد الله تعالى لها أن تقود الانسانية وتُحقّق لها حلمها المفقود في تطبيق العدالة الالهية وتلقينها المعارف الربّانية، فكانت امتحاناً امتحن الله به هذه الامة التي ضيَّعت على نفسها وعلى العالم هذه الفرصة التاريخية بإخراج العالم من الظلمات الى النور وسقطت في التجربة باكراً حيث لم تستطع الخروج من العقلية القبلية ولم تستوعب أهمية المهمة الرسالية التي كُلّفت بها، واختارت حين خُيّرت بين الرسالة والسلطة أن تختار السلطة على الرسالة، فعليّ وتر العرب وهو يدافع عن الإسلام بأمر رسول الإسلام، فهذه واحدة والأخرى أنهم وبعقلية جاهلية يرفضون أن تجتمع الخلافة والامامة في بني هاشم ولم يزدهم كلام رسول الله ووصاياه في علي وأهل بيته إلا عداوةً وانتقاماً ولا تزال هذه العقلية عقلية السلطة تتحكم في الأمة حتى يومنا هذا، حتى أصبحت الأمة أُمماً للحكّام لا أمة للرسالة، وتنكّروا لنعمة الله عليهم إذ ألَّف بينهم ليعودوا أعداء وعلى شفا حفرة من النار التي كان أنقذهم منها وليكونوا نكرة بين الامم تستذلهم الاذلة في موقفٍ مخزٍ أمام ما يحصل في غزة وما يتعرّض له الشعب الفلسطيني الذي يموت أبناؤه جوعاً وعطشاً وتُقتل أطفاله ونساؤه وشيوخه إلا من قلة من أبناء الأمة الغيارى الذين وقفوا إلى جانب هذا الشعب الأبي الذي قرّر إلى جانب مقاومته البطلة أن يخوضها معركة كربلائية آبيّاً الخضوع والمسكنة تحت شعار هيهات منا الذلة ونموت ولا نركع، الذين حقّقوا النصر قبل دفع الثمن في سابقة غير معهودة في تاريخ الحروب مؤمنين بوعد الله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾. فأنتم اليوم تفرضون أنفسكم على العالم وتقضّون مضاجع الوحش الصهيوني ومن خلفه من القوى الغاشمة وستحتفلون بالنصر المؤزّر الذي سيتحقّق بإذن الله تعالى قريباً على الرغم من كل عمليات القتل والتهديد باجتياح رفح والسيناريوهات والألاعيب والضغوط التي تُمارس بحقكم: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)، (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)”.
وأضاف: “ونحن لم نقل ولا نقول لكم كما قالت اليهود لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، بل قلنا لكم وفعلنا ما قلنا ما قاله عمار بن ياسر لرسول الله “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون”. فالقضية ليست قضية الفلسطينين فقط وإنما هي قضية الامة ولبنان معني بها والعدوان والاحتلال والتهديد والقتل والإرهاب طال ويطال العرب ومنها لبنان أيضاً، والبعض في لبنان كما عند بعض العرب لم يأخذ دروس الماضي وما زال يكابر ويمارس التضليل والتهويل وكأن العدو الصهيوني سينكفىء عن الارهاب والقتل والعدوان إذا وقفنا على الحياد أو سيعفيهم من دفع الثمن، وهذا يضحك الثكلى بعد أن استنجد به البعض لتحقيق مشاريع وهمية ما زال يحلم بها فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)، هؤلاء أول ما يسيؤن لأنفسهم وللجماعة التي يمثّلونها وبعد ذلك لوطنهم وللشعب اللبناني جميعاً، ويتشاطرون اليوم بمحاولات خائبة لمحاصرة المقاومة وبتحميلها كافة خطاياهم وبالتحريض الطائفي والمذهبي الذي وصل الى حدّ التحريض على النازحين مما يضطرنا للأسف الى وصفهم بالموتورين لأنّ هذا لا يصدر إلا عن موتور لا يُعرَف له سبب، نقول لهم: إنّنا نشفق عليكم وعلى هذا المستوى من التفكير والخطاب وندعو لكم بأن يفتح الله بصيرتكم وتتخلوا عن حقد كنزتموه لمن يدفع ثمن الدفاع عن السيادة فيدّعيها من لا يستحقها وهو أنتم المزورون ويدفع ثمنها السياديون الحقيقيون حقد كنزتموه في أنفسكم غير مبرر، فالمقاومة أثبتت ومن دون حاجة إلى التكرار أنها فوق حساباتكم وهي تلتزم قول السيد المسيح: “وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. “بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ”.
وتابع: “فالذي لا يُرى منه إلا الحقد ليس تلميذاً للسيد المسيح وإن ادّعاه. وقول رسول الله محمد: “أحبوا للناس ما تحبوا لأنفسكم واكرهوا لهم ما تكرهوا لها”. فمن لا يحمل الحب لأخيه كما لنفسه زوراً يَدّعي انه من تلاميذ محمد، فمن يحاسبنا على موقفنا في دعم القضية الفلسطينية جدير به أن يحاسب نفسه على تقصيره وعلى حساباته الخاطئة، فمن يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني لا يُحاسَب بل يكافأ، أما المذهبيون والذين تخلّفوا عن النصرة جدير بهم أن يتوبوا إلى الله: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا). والله تعالى يقول: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)، المتمثل اليوم بالصهاينة والغرب فلا تستمعوا لوسوساتهم التي يسدونها لكم بصورة نصائح (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)”.
وختم الخطيب: “ولا بد أولاً واخيرا من كلمة تبريك للمؤمنين بولادة الامام الحسن وهو حدث ليس عابراً ويمكن بوضوح قراءته في كلام رسول الله من حين علم بولادته الى ارتحاله، فسلام الله عليه وعلى جده المصطفى وأبيه المرتضى وأمه الصديقة وأخيه الشهيد ورحمة الله وبركاته، وسلام على المرسلين، والحمدلله رب العالمين، اللهمّ انصر الإسلام والمسلمين، اللهم انصر المجاهدين والمقاومين والمرابطين الذين يدافعون عن الأمة والوطن، اللهم احفظهم وسدّد قيادتهم وانصرهم نصراً عزيزاً وافتح لهم فتحاً يسيراً واجعل لهم من لدنك سلطاناً نصيرا، اللهم أظهر لنا وليّ أمرك وعجّل فرجه، اللّهُمَّ أَظْهِرْ بِهِ دِينَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ، حَتَّى لا يَسْتَخْفِي بِشَيْءٍ مِنَ الحَقِّ مَخافَةَ أَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.