تحقيق حنان نداف
كما في كل عام تثبت مدينة صيدا اللبنانية (صيدون التاريخية) بأنها المدينة الرمضانية الاولى بلا منازع، استطاعت أن تحصد هذا اللقب وتتربع على المرتبة الاولى لأعوام عدة وتجذب اليها السياح والزوار من مختلف المناطق للاستمتاع بأجوائها الرمضانية المميزة ولكن .. حركة الانتعاش التي تعيشها المدينة على كافة الصعد حصرا خلال شهر رمضان المبارك تنتهي مع انتهائه فتطفىء المدينة القديمة انوارها ليلا وتتراجع فيها الانشطة والفعاليات الجاذبة لتتحوّل الى مدينة “نهارية” تنطفىء مع هبوط الشمس قبالة بحرها..
يبقى السؤال لماذا لا تحافظ المدينة على انتعاشها وحركتها المميزة طوال أيام السنة وليس حصرا خلال شهر رمضان المبارك طالما انها تمتلك مقومات تاريخية واثرية وتراثية لا تقل اهمية عن باقي المدن التاريخية في لبنان، إذ يشكو أصحاب المؤسسات والمراكز السياحية والتراثية والتجارية فيها عن تعثرهم باقي أشهر السنة؟
لكن لماذا تعتبر صيدا المدينة الرمضانية الاولى؟ ذلك يعود لأسباب وعوامل عدة أبرزها: تمتزج الاجواء الدينية والتراثية فيها حيث تعجّ مساجدها بالمصلين وتزدحم المدينة القديمة بأزقتها وساحاتها الشعبية بالزوار من مختلف المناطق والسياح الباحثين عن بهجة الشهر الفضيل.
تنتعش المدينة القديمة وتحديدا ساحة باب السرايا صعودا الى مقهى الزجاج وصولا الى ساحة ضهر المير من خلال المقاهي التي تعكس اجواء السحور والسهر والسمر فيها.
تنوع الفعاليات والانشطة الرمضانية من إقامة معارض حرفية وفنية وثقافية وامسيات موسيقية وحفلات انشادية ورقص مولوي يؤديه “الدراويش”، والتي تتوزع على معالمها التراثية والاثرية من “خان الافرنج” الى “خان صاصي” وقصر دبانة ومتحف الصابون- عودة والحمام الجديد”.
الحفاظ على تقاليد وتراث الشهر الفضيل والتي قلّما تجدها في باقي المدن حيث لا يزال المسحراتي بزيه وطبلته والذي يعد جزءا من ذاكرة رمضان حاضرا في أحياء المدينة القديمة يواظب على ايقاظ الناس ومناداتهم للقيام على السحور.
إحياء الليالي العشر الاخيرة من شهر رمضان في المساجد و”قيام الليل” حتى مطلع الفجر.
مسيرة ليلة القدر وهي تقليد صيداوي قائم منذ عشرات السنين حيث تجوب مسيرة كبيرة بمشاركة مختلف الفرق الكشفية أنحاء شوارع المدينة وتبعث الفرحة في قلوب الصغار كما الكبار.
التكافل في ما بين اهل المدينة وتحسسهم ببعضهم البعض خاصة وان المدينة تتميز بطابعها العائلي فتنشط الجمعيات الاهلية بعمل الخير وتقديم يد العون للفقير والمحتاج من خلال إقامة حملات إطعام صائم وتوزيع الوجبات الساخنة أو إقامة حفلات السحور و الافطارات الخيرية والتي يعود ريعها لمساعدة كل محتاج.
صيدا القديمة قلب المدينة النابض
تتحول المدينة القديمة في رمضان الى قلبها النابض الذي يضخ اقتصادا وانتعاشا لكافة مرافقها السياحية والتراثية والاثرية طوال الشهر الفضيل وتشكل نقطة جاذبة لمختلف الزوار والسياح للاستمتاع بليالٍ رمضانية فريدة تحاكي مشهديات الشهر الفضيل ايمانا وتراثا وثقافة وفنا من خلال الفعاليات التي تقام حصرا في رمضان في مختلف المعالم الاثرية والتي تستهوي الوافدين للاطلاع ايضا على البيوت الاثرية التي تعود بمعظمها الى الحقبتين الايوبية و العثمانية و لا يزال يقطنها نحو تسعة آلاف مواطن…
إذن، هذه العوامل وظّفتها المدينة واستطاعت الإفادة منها بأن تجعل من نفسها المدينة الرمضانية الاولى الجاذبة والحاضنة للسياح والزوار من مختلف المناطق اللبنانية فضلا عن حرص بلدية صيدا بتنظيم هذه الفعاليات والاعلان عن البرامج والانشطة اليومية والمتواصلة فيها. وبالتالي، فهي بحاجة أيضا الى ان توظّف مقوماتها التاريخية السياحية والتراثية من خلال خطة عمل مستدامة وأنشطة وفعاليات متواصلة تجعل منها مدينة جاذبة على مدار السنة.
بديع
يقول رئيس بلدية صيدا الدكتور حازم بديع : “بالفعل تنشط المدينة خلال شهر رمضان المبارك دون باقي اشهر السنة وبأن البلدية تعمل على رصد ميزانية بالتعاون مع الجمعيات للمحافظة على هذه الحركة الى ما بعد شهر رمضان المبارك”، كاشفا أن “البلدية سيكون لها تمثيل في المدينة القديمة من خلال مكتبها عند ساحة باب السراي والذي ستكون مهمته خدمة اهالي البلد ومتابعة وتفعيل الانشطة السياحية والثقافية بشكل مستمر”.
وقال: “خلال شهر رمضان يكون هناك أنشطة وفعاليات وسط جو مميز. ونحن كبلدية في كل سنة ندير هذه الانشطة مع الجمعيات الاهلية مع المؤسسات والكشاف ونطلق البرنامج للشهر الفضيل. ولكن كل هذه الامور لها تكلفتها ونحن كبلدية نساهم مثلنا مثل عدد من الجمعيات وعدد من الاشخاص وهي لها ميزانية محددة. ونحن في البلدية نساهم في هذه الميزانية لتغطية الأمن والإنارة والصوتيات ولتغطية عدد من الإفطارات والسحور والزينة وهذه ميزانية محددة نرصدها لشهر رمضان”.
تابع: “من هنا الاجابة انه لا يمكن أن يكمل هذا الموضوع الى بقية ايام السنة لأن ميزانيتنا كبلدية لا تسمح بتغطية هذا الموضوع على مدار العام. ولكن هناك بعض الامور يمكن ان تكمل لما بعض رمضان مثل اشتراكات الكهرباء لتمديد ساعات الانارة لوقت اطول وتحديدا في صيدا القديمة وايضا اعمال التنظيف مستمرة بعد رمضان في صيدا القديمة وكذلك أعمال الترميم المستمرة منذ سنوات. لذلك، الخطة هذه السنة هي أقله ان نستمر خلال عطل نهاية الاسبوع. لذلك، نحاول ان نرصد ميزانية صغيرة بمساعدة الجمعيات ليكمل على الاقل في ايام الجمعة والسبت والاحد هذا الموضوع ولكن ليس فقط في صيدا القديمة وانما في كل انحاء صيدا”.
وإذ أوضح بديع أنه “من المفترض ان يكون هناك اجتماع مجلس بلدي وبما أن البلدية تملك مكتبًا في صيدا القديمة وتحديدا في ساحة باب السرايا والذي هو الان معرض صور ، لكن بعد العيد سينتهي المعرض وسيتم وضع صور صيدا السياحية وصور صيدا التراثية وسنتخذ قرارا بأن يكون هناك موظف دائم مع شرطي بلدي ليكون بمثابة تمثيل لبلدية صيدا داخل المدينة القديمة ومركز لأهل صيدا القديمة لتخليص معاملاتهم وتسهيل أمور اهالي البلد وأيضا سننشئ لجنة صيدا القديمة وسأكون انا من ضمنها لإعادة تفعيلها مع الجمعيات التي تعمل في صيدا القديمة وهذا الامر يخلق نواة لموضوع صيدا القديمة والنشاطات من خلال هذا المكتب الذي سيكون له ثلاث وظائف: اولا خدمة اهالي صيدا القديمة، مقر للجنة صيدا القديمة التي ستتألف من اعضاء المجلس البلدي وممثلين عن اهالي صيدا القديمة، ومكتب سياحي لتنظيم انشطة سياحية وثقافية في صيدا”.
قرة احمد
ويعتبر المؤرخ والباحث في تاريخ مدينة صيدا الدكتور طالب محمود قرة أحمد بأنه “يجب وضع خطط مستدامة لتبقى المدينة منتعشة على مدار العام وليس فقط خلال شهر رمضان من خلال استمرارية الانشطة والفعاليات وتنمية المدينة القديمة بنقل كل مقومات العيش الموجودة خارجها اليها”.
وقال: “حصرنا مدينة صيدا القديمة بساحة باب السرايا امتدادا الى مقهى الزجاج وصولا الى ساحة ضهر المير. اذا ما أردنا ان نعود بهذه المدينة لتكون مدينة تراثية، علينا ان ننشّط ونكثر من هذه المراكز السياحية. يعني المدينة السياحية ليست محصورة بساحة باب السراي. هناك العديد من الساحات الموجودة في مدينة صيدا لا يعلم بها أحد. عدا عن ساحة باب السراي وساحة ضهر المير هناك ساحة اللاز وساحة الساحة”.
تابع: “على القيمين بهذه النشاطات سواء كانوا من بلدية وجمعيات ومؤسسات او من اصحاب قصور كقصر دبانة وقصر عودة وقصر صاصي، أن يستمروا بإقامة هذه النشاطات على مدى الـ 11 شهرا الباقية. طريقة الاستمرار بهذه النشاطات على مدى 11 شهرا هي على الشكل التالي: أولا، اقله ان يكون هناك تمثيل للدولة اللبنانية داخل البلدة القديمة كمخفر للشرطة ومخفر للقضاء، ان يكون هناك داخل المدينة محامون واطباء يعني أن ننقل مقومات المدينة الموجودة في المدينة الخارجية الى داخل المدينة لكي يكون هناك حركة مستمرة. يعني لماذا لا يكون هناك مركز تجاري مصغر داخل مدينة صيدا القديمة؟ لماذا لا يكون هناك صيدلية داخل المدينة القديمة؟ هل صيدا القديمة يجب ان تعتمد فقط على المقاهي وعلى المنقوشة وصحن الفول؟ اين المستوصفات اين المدارس اين المستشفيات اين المراكز الاقتصادية والسياحية، اين المحلات؟”.
وأكمل: “إذن، اذا اردنا النهوض بهذه المدينة يجب ان نأتي بالسواح لهذه المدينة ليقتنوا منها. لماذا لا نقيم محترفا في بعض الاماكن بإيعاز من بلدية صيدا؟ لماذا لا نقوم بمكتبات تراثية؟ وهذا المكتب الموجود في ساحة باب السراي التابع لبلدية صيدا، لماذا يجب ان يكون محصورا بإقامة بعض المعارض الناقصة والمنقوصة، وانا اتحمل مسؤولية كلامي، ولكن ان يكون معرضا دائما لصور عن مدينة صيدا منذ مئتي عام وان يكون مستودعا لهذه المؤلفات والكتب التي كتبها مؤلفون عن مدينة صيدا سواء كانوا من القديم او من التاريخ المعاصر. أضف الى ذلك ان ننمّي البنية التحتية وان ننمّي البلد من الداخل”.