صدر عن “منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي” ديوان “اعتذار متأخّر” للدكتور محمد شيّا يتضمن مجموعة من القصائد نابعة من تجاربه في الحياة والزمن والهوية والأحلام والحب والحرب.
استهلّ الدكتور شيّا ديوانه بمقدمة في عنوان “ما الشعر؟” أوضح من خلالها مفهومه للشعر وعرّف عن مجموعته الجديدة بالقول: “شعر هذه المجموعة هي “أنا”-يَ بالطبع؛ لكنها فلسفتي في الحياة كذلك؛ فلسفتي الشعر.. لجهة شعريتها، هي أقرب إلى اللحظات shots ؛ اللحظة – التجربة المجبولةُ بالخيال: فيها ما يؤلِم، وفيها ما يسرّ؛ وهو قليل؛ اعترافٌ شخصي بالإخفاقات، بالآمال الضائعة، بالدهشة، والخيال. وربما فيها وعلى نحو غامض غير مباشر بعض المعرفة أيضَا، ليس المعرفة المنفصلة الواضحة على ما تعودنا في النثر والفلسفة. الحقيقة الشعرية غير الحقيقة الفلسفية. “الحقيقة الشعرية” هي من نوعٍ غريب، لزج، لا يمكن التقاطه، وعصيٌّ على التعيين؛ رغم أنه أمامنا في صلب النتاج الشعري”.
أضاف: “وبعد، فما سَيَلي من قصائد هي تصفية حساب مع الذات، بعد عقود وعقود من العيش الحقيقي الملموس للشاعر؛ مُرهُ وحلوه؛ من جهة، واختمار الثقافة والتمرّس بالكتابة من جهة ثانية. بعضها أقرب أن تكون غنائيات داخلية لأنها أقرب إلى الروح، وبعضها أكثر من ذلك. هي تحولاتٌ متداخلة بين أقانيم ثلاثة، يستحيلُ فصلها، ولكن يمكن التمييز بينها: جمالية المكان، قسوة الذاكرة؛ و”التدخّل الثقافي” من دون تقصّد أو وعيٍ منا. والقصيدة في المجموعة هي “الأنا” الذي تصطرعُ فيه الأقانيم الثلاثة. فلا تبحث عن تماسكٍ في ما سيلي من قصائد؛ ولا عن تسليمٍ أو إخلاصٍ لأي شيء؛ لا تزوير أو اصطناع ولا أية قيود خارجية”.
تابع: “سيجد القارىء تناقضاتٍ لم أحاول أبدُا افتعالها أو إقصاءها. هي الحياة حقًا، الصغرى (المايكرو) والكبرى الأوسع (الماكرو)، ولن يفيد في شيء البحث في تأثير هذه في تلك، أو العكس. هي مزيج عجيب من كل شيء، ولذلك فهي لا هذه ولا ذاك، رغم أنها صنعت، بل جُبلت في الليل ونحن نيام، من هذه وذاك. المجموعة الشعرية هذه يحكمها بأكملها جو نفسي \فكري\ روحي، خاص، غير متسق أو متماسك، لجهة الذات، ومتناقضٍ إلى الحد الأقصى لجهة التجربة والمادة. وهو شرط الأدب والشعر، دون افتعال أو اصطناع مني. التناقض ذاك سرّ الحياة؛ هو يعزز من أعماق الشعر، ويغنيه، ليؤدي وظيفته على أحسن وجه ممكن، إذا كان له من وظيفة في الأصل”.
وختم: “جمالية المكان لم أبرَأُ منها، حتى في اللحظات السوداء، وربما تعويضًا عنها؛ لقد كانت حاضرة معي على الدوام في زمن “محير”، يتلعب بك بين أقصى التشاؤم وأقصى التفاؤل. ويبقى القول، ويعرفه النقاد، أن الشعر أخيلة وليس وقائع، فلا تحسبنَّ قارئي عليّ الكلمات؛ ولا تحسبن الصورَ وقائع، فالشعرُ ليس كذلك؛ إن هي إلا صورٌ يختلط فيها كل شيء بكل شيء! وبعد، فأنا لا أتطفل الشعر، ولا حاجة بي؛ إنما أكتبُ ما ربما يكون شعرًا (ولا يدَ لي في ذلك) حين أشعرُ أن ليس في وسعٍ أية أداة تعبير أخرى نقلُ الإنفعال العميق الحاد الذي يبعثُ الشعر، كما هو حقًا! أكان ذكرى، خوفًا، غضبًا، شعورًا؛ أو حتى فكرة غامضة ربما استعصت حتى على مفردات اللغة! وأسمح لنفسي، أخيرا، دعوة قارئي ليلحظ أن المجموعةَ هذه بأكملها اقتربت من أن تكون قصيدة واحدة، في تحولات بطيئة، متصاعدة، متصارعة داخل الذات، دون أن ترسو على برّ”.