ترأس الرئيس العام الأباتي إدمون رزق الذبيحة الإلهية في دير مار سركيس وباخوس – عشقوت، لمناسبة عيد القديسين الشهيدين سركيس وباخوس، وعاونه رئيس الدير الأب عبود مسلم ووكيل الدير الأب شربل القسيس ومعلم المبتدئين الأب دومينيك نصر، بمشاركة الآباء المدبرين العامين وحشد من أبناء الرهبانية. وخدمت القداس جوقة الإخوة المبتدئين في دير مار سركيس وباخوس – عشقوت.
العظة
وألقى رزق عظة قال فيها: “في عشية هذا الأحد المبارك، بداية الأسبوع الرابع من زمن الصليب، الزمن الذي يشجعنا على السهر في انتظار الملكوت، يأتي عيد القديسين سركيس وباخوس، الشهيدين من الأزمنة الأولى للمسيحية، يذكرنا بمعنى الشهادة المسيحية وآلام الكنيسة منذ نشأتها ويأخذنا إلى عمق معنى الحب وبذل الذات في سبيل الملكوت”.
أضاف: “اليوم أيضا، هو أحد الوردية الكبير، أحد الصلاة التي ترفع بأسرارها ورودا لمريم العذراء والتي تتوج أمنا مريم ملكة على القلوب ورسولة للملكوت، وفاعلة في مشروع الله الخلاصي. وهذا الدير ، دير الرهبانية المارونية المريمية، هو دير استقبال الدعوات، ملجأ القلوب التي اختارت أن تشهد للرب وتركت العالم لتترهب في هذه الرهبانية العريقة في ظل مريم العذراء. إنه دير الخطبة، حيث تختبر النفس حبها وجدية مسيرتها ورغبتها في الشهادة للمسيح حتى التخلي عن كل شيء ما عدا حبه، من خلال عيش المشورات الإنجيلية والنذور الرهبانية”.
وتابع: “أما في عيد القديسين سركيس وباخوس الشهيدين، شفيعي هذا المقام، فماذا يمكننا أن نتعلم منهما؟ فالزمن الذي عاشا به لم يكن غريبا عن زمننا، إذ كان أيضا زمن حروب واضطهادات وسياسات، وانقسامات وسيطرة القوي على الضعيف، ليس هذا وحسب، بل كان أيضا زمن صلاة ولجوء إلى الله وشهادة مسيحية عظيمة”.
وقال: “بعد أن انتصر الرومان في الحرب على الفرس سنة 297، كرم الملك مكسيميانوس الجنديين الباسيلين سركيس وباخوس بجعلهما من الشرفاء في ديوانه. ولم يكن يعرف أنهما مسيحيان. فدعاهما للإشتراك في عيد الآلهة، وعلى حساب خسارة كل شيء، أعلنا أنهما لا يعبدان إلا الإله الحي ولا يسجدان إلا له وهما مسيحيان ولا يمكن لهما أن يعبدا الأصنام. فغضب الملك، ويقول السنكسار الماروني بأنه “أمر بنزع شارات الشرف عنهما وألبسهما ثيابا نسائية للهزء والسخرية”. أما هما فلم يستسلما، لأن كلمة الله هي مصباح خطاهما، وكما سمعناها اليوم ” من يصبر إلى المنتهى يخلص”. فصبرا على الإهانة، بإيمان قوي وأعلنا ولاءهما للرب يسوع، الملك الأزلي الوحيد الذي يعبدانه، وأنه “له وحده يقربان كل يوم ذبيحة مقدسة حية”.
اضاف: “هكذا، باختيارهما العلني للرب يسوع، كانت بداية مسيرة آلامهما واستشهادهما، فجلد باخوس بوحشية حتى أسلم الروح، وعذب سركيس بوضع مسامير مسننة في حذائه وسوقه عشرين ميلا أمام مركبة أنطيوخس، والدماء تسيل من رجليه، ولم يفقد صبره ولا عزيمته أن يحتمل الآلام مثل يسوع الذي أحب البشر حبا عظيما ولم يتردد أمام أمر الآلام، حتى الموت على الصليب. وكان لسركيس أن يستشهد بقطع عنقه”.
وتابع: “أين نحن اليوم من الصبر؟ أو من الشهادة ليسوع المسيح؟ وكأننا نعتبر أن الشهادة باتت من العصور الماضية ونسينا أن كنيستنا سقيت من دماء الشهداء، لتنمو وتزهر أجيالا جديدة تحيا بالإيمان والرجاء والمحبة”.
واردف: “خوفي أن تكون سيرة حياة القديسين أساطير نتغنى بها ولا نتعلم منها. ما هو المستقبل؟ ولماذا نحن في خوف دائم؟ نسمع الأخبار السياسية والميدانية ونقلق من القصف العدواني على أرضنا، وهذا حق لأننا قد تعبنا بشريا من هذا التاريخ الذي يعيد نفسه، كم مرة قلنا هذه آخر حرب، وكم مرة انتهت حرب لتبدأ أخرى، حرب سياسية، حرب إقتصادية، حرب إقليمية، حرب داخلية، حرب خارجية، وقد تأخذ أزمنة الحروب عناوين وألوانا شتى، ونحن نخاف ونتأفف وننسى أن “من يصبر إلى المنتهى يخلص”.
وختم: “الرب وحده يستطيع أن ينصرنا، وبه وحده الخلاص”. إن آمنا بقديسيه، لا نطلب شفاعتهم فقط، بل نتعلم منهم عيش الإيمان والشجاعة والصبر والاتكال على العناية الإلهية. وهذه صلاتي اليوم، أن تعطينا يا رب الصبر والشجاعة والفرح في حياتنا المسيحية وفي ظروفنا اليومية. نسألك بجاه القديسين سركيس وباخوس أن تمنح هذه الدار رهبانا جنودا للحق، لا يخافون الشهادة للكلمة ولا يسجدون إلا لك. نذكر الإخوة والأباء الذين أدركوا دعوتك لهم في هذا الدير وقبلوها وكانوا مثالا صالحا أمام شعبك. ولأجل أن نكمل مسيرتنا الرهبانية، نصلي أن ترسل إلينا فعلة للحصاد. احم بلادنا يا رب من الشرور التي تتكاثر علينا، وارحمنا وارحم العالم أجمع”.