بقلم: د. رشا إبراهيم أبو حيدر
مخطئ من يظن ان الحرب مع إسرائيل هي نزاع حدود بل صراع وجود ، لقد عانى لبنان بسبب موقعه الجغرافي حروباً كثيرة فرضت عليه فهو نقطة وصل مع البلاد العربية الحبيسة والغير مطلة على البحر الأبيض المتوسط ، وعلى حدوده فلسطين المحتلة من العدو الإسرائيلي المتغطرس الذي يسعى الى السير بمشاريعه التوسعية والاستعمارية ، في السابق كانت المقولة المعتمدة ان لبنان قوي في ضعفه ولكن بعد حرب تموز 2006 بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل والتي وضعت اساساً جديدا للصراع ، اذ وقفت المقاومة اللبنانية سدا منيعاً امام تنفيذ المخطط الإسرائيلي .
امام هذا الواقع، وامام تطورات غزة 2023 وعملية طوفان الأقصى وجدت المقاومة اللبنانية نفسها من منطلق عقائدي وامام سكوت العالم مضطرة الى الدفاع عن القضية الفلسطينية والاقصى الشريف. الامر الذي يدفع المنطقة الى حرب كبرى قد تؤدي الى توسع الساحات والجبهات والتي لا يمكن ان تقف عند حدود معينة.
ان جبهة الاسناد التي تخوضها المقاومة اللبنانية دفعت العدو الإسرائيلي الى شن حرب مجنونة تدميرية على لبنان أدت الى محو مناطق بأسرها، ولكن هل انتظرت إسرائيل هذه الحرب للقضاء على المقاومة اللبنانية بحجة حماية شمالها ام ان لهذه الحرب دوافع أخرى تمهد لمشروع إسرائيل الكبرى؟
ان أطماع إسرائيل في لبنان كثيرة ومتنوعة ويمكن سردها في كتابات عدة ويمكن اختصارها في سطور تصل الى كل المشككين بان إسرائيل لم تكن لتخوض حربا على لبنان لولا فتح المقاومة اللبنانية لجبهة اسناد لدعم غزة.
ان أطماع إسرائيل في لبنان يمكن ايجازها بعدة أمور:
1. الطموحات الجغرافية والدينية التوسعية:
– هناك مفاهيم تاريخية لدى بعض المفكرين الصهاينة، مثل فكرة “إسرائيل الكبرى”، التي تشمل مناطق تمتد إلى نهر الليطاني في جنوب لبنان. يعود هذا الطموح إلى أن نهر الليطاني يعتبر مصدرًا مائيًا حيويًا، وهو ما يعكس اهتمام إسرائيل بالموارد المائية في المنطقة، نظرًا لأهمية المياه في السيطرة على الأرض واستدامة الاقتصاد.
– فهم يعتبرون أن هذه الدولة يجب أن تشمل حدود الدولة التاريخية، أو ما يعرف بـ ” بمملكة داوود”، وتطابق أرض الميعاد كما ورد ذلك في التوراة عبر ستة أسفار. ومع أن الحدود الشمالية في هذه الأسفار تختلف، إلا أن جميع الاجتهادات التوراتية قامت على اعتبار لبنان جزءاً من التصور التوراتي لأرض الميعاد.
– ومن بين الدراسات أيضاً التي اعتبرت لبنان جزءاً من دولة إسرائيل دراسة قام بها الحاخام ايزاكس سنة 1917، وارتكز في تحديده لحدود إسرائيل على الكتاب المقدس (العهد القديم) سفر العدد (الاصحاح 34، من 1 الى 12) اعتبر ان هذه الحدود تشمل لبنان كله.
2. الأمن والاستقرار الإقليمي وتوازن الرعب:
– إسرائيل تنظر إلى لبنان، وخاصة الجنوب اللبناني، باعتباره تهديدًا أمنيًا دائمًا، خاصة مع تواجد حزب الله المدعوم من إيران. منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000 بعد سنوات من الاحتلال، اعتبرت إسرائيل أن حزب الله يشكل تهديدًا كبيرًا على حدودها الشمالية.
– إسرائيل شنت عدة حروب على لبنان بهدف تقويض نفوذ حزب الله والحد من التهديدات الصاروخية التي تستهدف المدن الإسرائيلية. من أبرز هذه الحروب:
– اجتياح لبنان عام 1982: الذي كان يهدف في الأساس إلى القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تتخذ من لبنان قاعدة لها.
– حرب يوليو 2006: التي هدفت إلى إضعاف حزب الله بعد عملية أسر الجنود الإسرائيليين، لكنها أدت إلى تدمير واسع النطاق للبنية التحتية في لبنان وزيادة العداء تجاه إسرائيل.
3. المياه والموارد الطبيعية:
– نهر الليطاني يعتبر أحد أهم مصادر المياه في لبنان، ويعتبر جزءًا من الأطماع الإسرائيلية، حيث كانت هناك دعوات في أوقات مختلفة لسيطرة إسرائيل على هذا النهر لضمان مصادر مياه إضافية.
– ومن خلال مطالعتنا للمذكرة الإسرائيلية التي قدمت الى مؤتمر الصلح عام 1919 نكتشف مطامع اسرائيل في مياه لبنان. ” إن جبل الشيخ (حرمون) هو ” أبو المياه “الحقيقي لفلسطين، ولا يمكن فصله عنها دون توجيه ضربة قاصمة الى جذور حياتها الاقتصادية بالذات. وجبل الشيخ لا يحتاج الى إعادة تحريج وتشجير فقط، بل يحتاج أيضاً الى أعمال أخرى قبل أن يصبح مؤهلاً لكي يكون خزان مياه البلاد. ولذلك يجب ان يخضع كلياً لسيطرة أولئك الذين تحدوهم الرغبة الشديدة في استغلال إمكاناته حتى أقصى الحدود، كما يجب التوصل الى اتفاق دولي تحمى بموجبه حقوق المياه للشعب القاطن جنوبي نهر الليطاني (اليهود) حماية تامة. إذ أن منابع المياه هذه، فيما لو حظيت بالعناية اللازمة، تستطيع أن تخدم تنمية لبنان مثلما تخدم تنمية فلسطين “.
– مؤخرًا، أصبحت حقول الغاز في البحر المتوسط مصدرًا جديدًا للتوتر بين لبنان وإسرائيل. كلا البلدين يطالبان بمناطق متنازع عليها في المياه الاقتصادية البحرية الغنية بالغاز الطبيعي. أجريت مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين بوساطة الولايات المتحدة لمحاولة ترسيم الحدود البحرية، لكن الصراع على هذه الموارد لا يزال مستمرًا. والان إسرائيل تحاول التنصل من اتفاقية الغاز مع لبنان، ذلك ان إسرائيل قد استفادت من الاتفاقية ومن تأخر عملية الترسيم الحدود البحرية الى توريد الغاز الى أوروبا وخاصة بعد تطور الحرب الروسية الأوكرانية حيث أصبح الشرق الأوسط مصدرا كبيرا لتصدير الغاز الى أوروبا.
4. الاطماع الاقتصادية:
– ترى إسرائيل ان لبنان يشكل عائقا لها بسبب موقعه الجغرافي ونموه الاقتصادي في الاستفادة من خط الحرير الذي يمر عبر لبنان، مما يؤثر سلبا على ميناء حيفا وتحول العمليات التجارية الى السواحل اللبنانية مما كان لا بد من اخراج مرفأ بيروت عن العمل وتحول التجارة الى الموانئ الإسرائيلية وهذا ما كان بالفعل عندما دمر مرفأ بيروت تدميرا كاملا واخرج عن العمل فترة كبيرة من الزمن.
– كما ان إسرائيل تسعى من تدميرها المتعمد لكافة المناطق اللبنانية هو تدميره اقتصاديا ودفعه نحو الاستدانة والوقوع تحت الضغوط الدولية والحؤول دون استمرار العجلة الاقتصادية فيه،
5. التقسيم السياسي والطائفي:
– إسرائيل، ومنذ بداية تأسيسها، رأت في التنوع الطائفي والسياسي في لبنان فرصة لخلق الفوضى واستغلال الخلافات الداخلية. هناك وثائق تشير إلى دعم إسرائيلي لتقسيم لبنان إلى كيانات طائفية مستقلة، مما يضعف وحدة البلاد ويمنع تحول لبنان إلى دولة مركزية قوية قادرة على مواجهة إسرائيل. وهي تسعى من خلال حليفتها الأساسية اميركا الى الضغط على لبنان في ظل الحرب القائمة الى تنفيذ القرار 1701 ولكن قبل ذلك على الساسة اللبنانيين ان ينتخبوا رئيسا للجمهورية يسير في فلك اميركا في ظل الضربات المتتالية التي تلقتها المقاومة اللبنانية ومن منطلق ان الأخيرة ليست في موقع الضغط ترى اميركا ومن وراءها إسرائيل ان الفرصة سانحة لفرض رئيس جمهورية قد يؤجج الوضع الداخلي ويريح إسرائيل.
– كما تسعى اميركا وإسرائيل الى الضغط على لبنان من خلال الحرب القائمة الى الخروج بقرار دولي جديد يستعاض عن القرار 1701 يكون بداية تطبيع مع إسرائيل على غرار تلك مع الدول العربية (اتفاقية إبراهيم للسلام) وفرض شروط جديدة على الدولة اللبنانية.
– هذا التصور يرتبط بنظرية “حدود الدم“ التي تقول بضرورة تقسيم الدول العربية إلى دويلات طائفية وأثنية صغيرة للحفاظ على أمن إسرائيل.
خلاصة:
ان الأطماع الإسرائيلية في لبنان ليست فقط جغرافية بل متعددة الأبعاد وتشمل المصالح الأمنية، الاقتصادية، والسياسية. لبنان يمثل جبهة مهمة في الصراع الإسرائيلي مع إيران وحزب الله، كما أن موارده الطبيعية، وخاصة المياه والغاز، تثير اهتمامًا إسرائيليًا مستمرًا. التدخلات الإسرائيلية في الشؤون اللبنانية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، تعكس رغبتها في تأمين حدودها الشمالية وضمان عدم تحول لبنان إلى قاعدة تهديد مستمرة.