هلا الحاج حسن – البقاع
تعتبر المياه الجارية من العناصر الحيوية التي تساهم في تشكيل الهوية الثقافية والاجتماعية للمناطق، حيث تُعد منابع المياه ملاذات طبيعية تجمع بين الجمال الطبيعي والذكريات المشتركة. في هذا السياق، يبرز نبع “أهلى” أو “أهلا” كرمز لهذا الارتباط العميق بين السكان ومصادر المياه. يُعد هذا النبع منتزهًا محليًا يجمع العائلات ويُعتبر متنفسًا طبيعيًا مجانيًا للسباحة والاستمتاع بالطبيعة. إن وجود نبع مثل “أهلى” في بلدة شعث، التي تقع على بُعد 20 كيلومترًا شمال مدينة بعلبك، يُظهر كيف يمكن لمكان واحد أن يجسد تاريخًا عريقًا وثقافة غنية.
يعود تاريخ نبع “أهلى” إلى العصور الوسطى، وهو يحمل في طياته العديد من القصص والحكايات التي تناقلتها الأجيال. هذا الارتباط التاريخي يعكس أهمية النبع ليس فقط كمصدر للمياه، بل كجزء لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للمنطقة. يُستخدم نبع “أهلى” من قبل سكان القرية والقرى المجاورة كمصدر رئيسي لمياه الشرب، مما يساهم في تعزيز الروابط الاجتماعية بين الأفراد والعائلات. كما أن طعم مياهه اللذيذ وبرودتها الطبيعية تُضيفان إلى جاذبيته كوجهة سياحية.
وفي مقابلة أجريتها مع إحدى سيدات البلدة، قالت: “كنت أنا وأهلي نقصد نبع “أهلى” لتعبئة مياه الشرب والغسيل، وعلى ضفافه كنا نشعل النار في الموقدة ونغسل الملابس. بعد ذلك نزور مقام النبي يوشع (ع)، ونعود في المساء إلى منازلنا.”
إن استهداف هذا النبع من قبل العدو الإسرائيلي، والذي أدى إلى إحداث حفرة عميقة في الموقع، يُعتبر اعتداءً على الهوية الثقافية للمنطقة. ويُظهر إصرارًا على طمس الهوية التاريخية ومحاولة لمحو الذاكرة الشعبية التي تربط الناس بماضيهم. إن تدمير المواقع التي تحمل تاريخًا عميقًا لا يؤثر فقط على البيئة المحلية، بل يُشكل أيضًا تهديدًا مباشرًا للذاكرة الجماعية والتقاليد التي تُعتبر جزءًا أساسيًا من هوية المجتمعات.
تُظهر هذه الأحداث كيف يمكن أن تؤثر النزاعات السياسية على المواقع الثقافية، وتبرز أهمية الحفاظ على التراث المحلي كوسيلة لحماية الهوية. إن النبع ليس مجرد مصدر للمياه، بل هو رمز للذاكرة والتراث، وتدميره يُعتبر محاولة لتفكيك الروابط التي تجمع بين الأجيال. لذا، فإن الحفاظ على هذه المعالم التاريخية يُعد أمرًا بالغ الأهمية لضمان استمرار الهوية الثقافية للأجيال القادمة.