رأى الرئيس فؤاد السينورة أن عودة “حزب الله إلى لغة نحن انتصرنا، استخفاف بعقول اللبنانيين ومصالحهم ومستقبلهم”، معتبراً أن زجَّ لبنان في الحرب “كان قراراً متعجّلاً وحساباته غير دقيقة وثبت في المحصلة أن الحزب لم يتمكن من ردع إسرائيل ولا حماية لبنان ولا حتى حماية نفسه”.
وقال في حديث إلى صحيفة “الراي” الكويتية، يُنشر غداً: “إن إسرائيل هي العدو، ولكن في 2006 و2023 الحرب بدأت بمبادرة من “حزب الله”، مشيراً إلى أن الحزب “اتجه (بعد 2006) إلى أن يكون جيشاً لا مقاومة، ونفّذ تعليمات إيران بالتدخل في سوريا والعراق واليمن”.
أضاف: “تَبَيَّنَ في ضوء مجريات الحرب الراهنة أن إيران تتصرّف كدولة ولها مصالحها واعتباراتها وبالتالي تريد أن تحمي بلادها وأبناءها”، مؤكداً “أن الحل في لبنان بالعودة إلى الدولة وألا يكون هناك سلاح غير سلاحها”.
وأشار الى ان “لبنان يمر منذ بداية 2022 وإلى الآن، بأزمة سياسية كبيرة جداً، حيث لم يتمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس جمهورية، ولم يَجْرِ تأليف حكومة لتتولّى السلطة في البلاد. كما وأن لبنان يمرّ وما زال بأزمة اقتصادية خطرة، أضِف إلى أن هناك مشكلة كبيرة أيضاً، تتمثل في عدد اللاجئين أو النازحين السوريين في شكل كبير. وأيضاً، أصبح يفتقد شبكة الأمان العربية التي كانت لديه في 2006… شبكة أمان عربية”.
واوضح السنيورة ان “قرار مجلس الأمن 1701 يقضي بألا يكون هناك وجود مسلح على الإطلاق في منطقة جنوب الليطاني لحزب الله، وأن يصار أيضاً إلى ألا يكون ثمة دخول أي نوع من أنواع السلاح إلى لبنان عبر معابره البرية والجوية والبحرية، لأي طرفٍ باستثناء الدولة اللبنانية. والقرار في بناءاته يتحدث عن اتفاق الطائف، وعن القرارات الدولية الأخرى التي صدرت بالنسبة إلى لبنان، ولذلك كل هذه الأمور يجب أن تؤخذ بالاعتبار من أجل التوصل إلى وقف سريع لإطلاق النار”.
وأكد”لم يعد في الإمكان أن يتحمل لبنان استمرار الاعتداءات التي تؤدي إلى المزيد من الضحايا والشهداء والجرحى والتدمير المنهجي لمناطق كثيرة، بخاصة وأن إسرائيل تلجأ الآن إلى عملية تفريغ مناطق واسعة من جنوب لبنان عبر تدميرٍ كامل للكثير من القرى والبلدات، وهذا يؤدي إلى العدد الكبير من النازحين الذين يفوق عددهم الآن مليون و200 ألف… اي تقريباً نحو ربع السكان نزحوا من ديارهم، وهذا يشكّل عبئاً كبيراً وضخماً على الدولة واللبنانيين”.
وشدد على ضرورة “الحزم من أجل استعادة الدولة لسلطتها الكاملة على كل الأراضي اللبنانية، مع تأكيد أهمية احتضان اللبنانيين لبعضهم بعضاً، بخاصة وأن “حزب الله” متجذّر في لبنان ولديه مناصروه ومريدوه، وهذا الأمر يتطلب بعد هذه التجربة المؤلمة، ان نستخلص جميعاً أن ثمة حاجة لأن يعود اللبنانيون جميعاً إلى الدولة وبشروطها، فهي الملاذ الحقيقي والتي تشكّل الحماية للجميع. وبالتالي يجب ألا يؤدي ما يجري حتى الآن، إلى أن يشعر أي فريق بأنه انهزم، وبأن هناك فريقاً قد انتصر. على العكس، المطلوب أن يشعر الجميع بأنهم منتصرون بعودتهم إلى الدولة التي تحميهم جميعهم، ليستطيع لبنان أن يتخطى الأزمات الخطيرة الموجودة أو التي نشأت بسبب العدوان الإسرائيلي، والذي أدى إلى هذا القدر من التدمير والضحايا والجرحى والعدد الكبير من النازحين”.
وقال السنيورة:” ان الصيغة اللبنانية تقوم على فكرة العيش الواحد المشترك، ما يعني أن الجميع سواسية أمام القانون”، مشيرا الى ان “زجُّ لبنان في هذه المعركة العسكرية، كان قراراً متعجلاً، لم يَقُمْ على حسابات دقيقة، وبالتالي أدى إلى ما نحن عليه الآن”.
وراى أن “السردية التي اعتمدها حزب الله لجهة أنه يُؤمِّن الردع في مواجهة إسرائيل، ويُؤمِّن الحماية للبنان، ثبت في المحصلة عدم صحتها. فهو لم يتمكن من الردع، ولا حماية لبنان، ولا حتى حماية نفسه”.
وقال :”إسرائيل بعد 2006 أعادت تنظيم أوضاعها الداخلية والعسكرية وعزّزت من قوتها، ليس فقط النارية والجوية بل وقوتها الاستخباراتية والتكنولوجية. وحزب الله انطلق إلى مهمات أخرى بعد 2006 حيث بدا وكأنه تحوّل قوةً تنفذ تعليماتٍ من إيران، بالتدخل في الأوضاع في سوريا والعراق واليمن، وبالتالي صارتْ له مهمات إقليمية ودولية، وهذا أدى إلى الكثير من المشكلات، إضافة إلى أن هذا السلاح أصبح موجَّهاً نحو صدور اللبنانيين من خلال العمليات التي قام بها في أيار 2008 في بيروت ومناطق لبنانية أخرى. فهذه الأمور يجب أن تؤخذ بالاعتبار، بهدوء وليس في إطار عمليات لوم أو انتقاد أو محاولة ما يُسمى تجريم فريق أو آخَر، وذلك إذا كنا نريد التوصلَ إلى نتيجة مُجْدِية للبنان”.
وأردف:”ومن البديهي أنه عندما يقرر أحد أن يخوض حروباً فإنه لا بد أن يسأل، ما الكلفة؟ ما المردود السياسي؟ ما المردود أيضاً الوطني؟ وما التكلفة التي يمكن أن نتحملها؟”، مؤكدا ان الاوان آن “لندرك في محصلة هذه العملية، ماذا كانت النتيجة بالنسبة إلى لبنان، وفي الداخل وعلى الاقتصاد وعلى اللبنانيين وعلى الأرواح التي أزهقت وعلى عدد الجرحى، وعلى حجم القهر الذي يشعر به اللبنانيون الذين اضطروا إلى النزوح قسراً عن بلداتهم، وأولئك الذين خسروا كل ما يملكونه في قرى أُبيدت من أساسها وجرى مسحها عن الخريطة. هؤلاء الناس، ألا نسأل عنهم؟”.
وشدد على” أن القوة الحقيقية للبنان هي في وحدة أبنائه، وفي تعزيز هذا النسيج اللبناني المتضامن المتكافل مع بعضه بعضاً من أجل حماية بلاده. فهذا الأمر هو الذي يجب أن نؤكده الآن”.
وقال :”علينا أن نُعْمِلَ العقلَ والمصلحة التي تجمع اللبنانيين من أجل أن نواجه إسرائيل ونستخلصَ الدروسَ الحقيقية وألا نضيّع الفرص كما فعلْنا في الماضي، وعلينا أن نتوجه من أجل أن نسارع بدايةً إلى تحقيق وقف النار، وبالتوازي العمل على تطبيق القرار 1701 بكل بنوده، وأن نعود إلى الدولة بشروط الدولة، وبالتالي ألا يكون هناك أي السلاح في لبنان غير سلاح الدولة اللبنانية”.
واوضح أن “من الطبيعي أن لبنان في حاجة إلى تعزيز قواته العسكرية والأمنية. وفي إمكانه أن يحصل على الدعم من أشقائه ومن أصدقائه من أجل تعزيز قدراته الحمائية، وبالتالي لا يعتقد أحد أن الجيش اللبناني لا يَقدر عندما يتعرّض لتحدٍّ معيّن. القضية تحتاج بداية إلى قرار بأن نعود إلى الدولة، وتعود السلطة الشرعية استناداً إلى هذا العمل الوطني القائم بجمْع اللبنانيين على موقف وطني واحد يستطيع أن يحميهم”.
وأكد أن “على لبنان أن يلتزم بالمقررات الدوليةوفي حاجة إلى إخواننا وأشقائنا في العالم العربي وإلى أصدقائنا في العالم كي يقفوا إلى جانب بلدنا، وهو بحاجة إلى أن يتخطى هذه المرحلة الصعبة، وهو لا يمكن أن يتجاوزها بالتهويل ولا بما يُسمى بالمزايدات ولا أيضاً بالانحراف عما التزمه. وهذا هو التحدي الذي علينا أن نكون بمستواه. وعلينا ايضاً أن نرتقي جميعاً لأن نبني على وحدة اللبنانيين وتصميمهم على العودة إلى الدولة بشروط الدولة، وعلى أهمية أن يصار إلى أن تكون للدولة سلطتها الحصرية على الجميع من دون استثناء، وأن الذي يحمي لبنان واللبنانيين، هو القوة الداخلية، وأيضاً العلاقات القويمة المبنية على الثقة مع الأشقاء العرب والمجتمع الدولي”.
واكد السنيورة ان “في إمكاننا التصدي لإسرائيل وعدوانيتها من خلال وحدة اللبنانيين وعملهم المشترك وحرصهم على أمن وسيادة لبنان، وأن نضع الأمور في نصابها. فالقوة الحقيقية للبنانيين في وحدتهم وتضامنهم وفي دفاعهم عن لبنان وفي قدرتهم على أن يحترموا دستوره وليس من خلال معادلات أثبتت الأيام عدم صوابيتها”.
وشدد على ضرورة ” العودة إلى الطريق الواسعة، وهو الانقياد لِما يحتّمه الدستور ويؤكد عليه اتفاق الطائف ومصلحة الدولة وعودة سلطة القانون والنظام.وحالة الانكار يجب أن تصل إلى نهايتها”.
وقال:” لا يمكن إعادة تكوين مؤسساتنا الدستورية إذا لم يحصل انتخاب رئيس جمهورية، وأن تتألف حكومة مسؤولة أمام اللبنانيين، وأمام المجتمعين العربي والدولي. حتى بالنسبة إلى تطبيق الـ 1701 فمَن سيأخذ على عاتقه أن يؤكد للمجتمع الدولي أننا نحن المسؤولين والذين سنتحمل المسؤولية واننا نحن مَن سينفذ القرار؟”.
أضاف: “آن لنا استعادة الثقة المتبادلة بيننا وبين أشقائنا والعالم. وتالياً قبل أن نصل إلى مرحلة العقوبات، من الأجدر بنا أن نعرف أين مصلحتنا. وهل تستمر أوضاعنا مثلما هي الآن؟ ومَن سينقذ لبنان؟”.
وتابع: “نريد رئيس جمهورية يكون فعلياً رئيساً للدولة، وهو رمز وحدة الوطن، أي الذي يستطيع أن يَجمع اللبنانيين على حماية لبنان وعلى تحقيق النهوض المنشود. رئيس جمهورية ليس فقط فوق كل السلطات، بل أيضاً لا يَلهث وراء مكاسب من هنا وهناك. رئيس جمهوريةٍ ليس كما يتصوّر البعض، يبحث عن حصة من كم وزير ونائب وموظف وغيره. ليس هذا رئيس جمهورية. رئيس جمهورية لديه سلاح نووي سياسي بأنه هو الذي يحمي لبنان من خلال أن يكون الحارسَ لتطبيق اتفاق الطائف والدستور. ومن خلال هذه الميزات يستطيع هو والحكومة التي تتمتع بثقة مجلس النواب، أن يدفعا نحو أن يستعيد لبنان ألَقَه ودوره بين أشقائه وفي العالم”.
وردا على سؤال عما اذا كانت الظروف قد اكتملت لعودة الرئيس سعد الحريري للبنان وانخراطه مجدداً في مسار السلطة والحكم، قال: “أنا كنتُ أتمنى الا يعتكف الرئيس الحريري، وأنه كان في الإمكان أن يكون هناك أسلوب معيّن يُعتمد كي يستمرّ، لأن لديه محبة لدى اللبنانيين. فهو ابن رفيق الحريري، وبالتالي لديه الرمزية التي ليست موجودة لدى أحد آخَر… ومتى يقرر هو العودة؟ أنا لا أستطيع أن أجيب عن ذلك”.