إنطلقت اليوم في العاصمة القطرية الدوحة، برعاية الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية، في العاصمة القطرية الدوحة أعمال الاجتماع الوزاري الثاني لأجهزة إنفاذ قوانين مكافحة الفساد في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، برئاسة دولة قطر، وبمشاركة 56 دولة وعدد من المنظمات الدولية والإقليمية.
وفي مستهل الاجتماع، ألقى رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) مازن بن إبراهيم الكهموس كلمة المملكة العربية السعودية رئيسة الاجتماع الوزاري الأول، معرباً عن خالص الشكر والتقدير لدولة قطر على مبادرتها في استضافة الاجتماع الوزاري الثاني، وعلى حسن التنظيم وكرم الضيافة لهذا الاجتماع.
وقال الكهموس:” نجتمع اليوم ولا تزال الأحداث المأساوية مستمرة في ظل ما يتعرض له الأشقاء في فلسطين ولبنان من اعتداءات غير مسبوقة وانتهاكات سافرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي راح ضحيتها أكثر من 150 ألف من الشهداء والمصابين والمفقودين، جلهم من النساء والأطفال”.
وأضاف:”وانطلاقا من مسؤولية المملكة العربية السعودية التاريخية والتزامها بالعمل الإسلامي المشترك، فلم تقف مكتوفة الأيدي بل قامت، وفي إطار منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، باستضافة قمتين عربية وإسلامية مشتركتين غير عاديتين، وكذلك استضافة مبادرة التحالف الدولي لحل الدولتين إلى جانب استضافة عدد من الاجتماعات الوزارية”، مشيرا إلى “أن اللجنة الوزارية برئاسة المملكة لا تزال تجوب العالم حاليا دعما لحقوق الشعب الفلسطيني العادلة”.
وأكد الكهموس أنه “انطلاقا من حرص المملكة على نقل التجارب وتبادل الخبرات، فقد بادرت خلال الفترة 20-21 ديسمبر 2022 باستضافة الاجتماع الوزاري الأول لأجهزة إنفاذ القانون المختصة بمكافحة الفساد في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان”.
وأوضح “أن الاجتماع أسفر عن إقرار “اتفاقية مكة المكرمة للدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي في مجال إنفاذ قوانين مكافحة الفساد، والتي تجسد اهتمام الدول الأعضاء بتعزيز التعاون في تبادل المعلومات والتحريات بين سلطات إنفاذ القانون على نحو يتسم بالكفاءة والسرعة وبما يسهم في استرداد الموجودات وإعادتها”.
وشدد على “إدراك المملكة لتداعيات جريمة الفساد العابرة للحدود وأثرها على المجتمعات الإسلامية ونهضتها، لذلك فإن تضافر الجهود على الصعيدين المحلي والدول لمكافحة تلك الآفة يمثل ركيزة أساسية لتحقيق رؤيتها 2030 بما يحقق الرخاء والازدهار في دولنا الإسلامية ويدعم أهداف التنمية المستدامة فيها”.
وأشار إلى أنه في هذا الصدد “تعد “اتفاقية مكة المكرمة” الإطار الأمثل لتعزيز جهود مكافحة الفساد وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال”، داعيا الدول الأعضاء إلى “الإسراع بالتوقيع على الاتفاقية خلال هذا الاجتماع واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة للمصادقة عليها”.
ورحب الكهموس ب”اعتماد الاجتماع الوزراي لمشروع قرار تقدمت به السعودية وجمهورية المالديف بهدف مواجهة الأساليب الحديثة والثغرات التي يستخدمها مرتكبو جرائم الفساد ذات العلاقة بالقطاع السياحي”.
كما رحب الكهموس بنتائج أعمال الاجتماع العام التاسع والثلاثين لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينافاتف)، الذي عقد الأسبوع الماضي في مدينة الرياض، والذي بارك تأسيس شبكة لاسترداد الأصول لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وشدد على “أن عملية قياس الفساد مهمة ومعقدة ومتعددة الأبعاد”، مشيرا إلى أنه “في ظل غياب مؤشرات مرجعية وموضوعية تقيس جهود دولنا في مكافحة الفساد، فقد عملت المملكة بالشراكة مع المنظمات الدولية المختصة على وضع منهجيات ومؤشرات لقياس الفساد”، ومرحبا في هذا الصدد ب”اعتماد الاجتماع لمشروع قرار تقدمت به السعودية لتشجيع الدول الأعضاء في المنظمة على التعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمنظمات الدولية ذات الصلة في مجال قياس الفساد”.
عقب ذلك، تسلمت دولة قطر رئاسة الاجتماع الوزاري الثاني حيث ألقى رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية حمد بن ناصر المسند كلمة قطر، مرحبا بالدول المشاركة في الاجتماع، ومعربا عن شكره للمملكة العربية السعودية على نجاح استضافة الاجتماع الوزاري الأول لأجهزة إنفاذ قوانين مكافحة الفساد.
وشدد المسند، في كلمته، على “أن الفساد يعتبر آفة كبيرة ويشكل تحديا حقيقيا للأمن والسلام العالميين، مما يحتاج لتكثيف الجهود معا لوضع استراتيجات فعالة وبرامج وخطط تنفيذية للقضاء على الفساد، بكافة أشكاله وتحقيق التنمية المستدامة”.
وأكد “أن مكافحة الفساد ليست مجرد شعارات أو نصوص دينية بل هي منظومة متكاملة تقوم على قيم العدالة والأمانة والنزاهة والشفافية، كما أنها ليست واجبا فقط، بل هي مسؤولية اجتماعية وجماعية تتطلب منا جميعا، حكومات ومؤسسات وأفرادا، التكاتف والعمل بجدية وإخلاص لتحقيق مجتمع يمتاز بالنزاهة والشفافية”.
وأوضح “أن دول منظمة التعاون الإسلامي حققت العديد من الإنجازات في مجال مكافحة الفساد، سواء من خلال سن التشريعات اللازمة وتعزيز الأطر القانونية، أو عبر تأسيس هيئات رقابية قوية فعالة”، لافتا إلى أنه على “الرغم من هذه الإنجازات، إلا أن التحديات ما زالت قائمة، وعلينا أن نواصل العمل على تعزيز منظومات النزاهة والشفافية وتطوير آليات الرقابة والمحاسبة”.
وشدد المسند على “أن دولة قطر تحرص على إعطاء أهمية كبيرة للتعاون الدولي والمنهجي التشاركي في مكافحة الفساد، وتلتزم بتعزيز الشراكات الدولية من خلال إبرام العديد من مذكرات التفاهم مع المؤسسات الإقليمية والدولية والجهات المعنية بمكافحة الفساد في العالم”، موضحا “أن اتباع هذا النهج التشاركي في الوقاية من الفساد ومكافحته يمكن من الإلمام بكافة جوانب تلك الظاهرة المدمرة والوقوف على أسبابها الحقيقية، وتشجيع جميع الأطراف المعنية على المشاركة بفعالية في مكافحتها”.
وشدد على “أن دولة قطر تبرز كشريك موثوق به في تحقيق أعلى مستويات النزاهة وتعزيز الحوكمة الفعالة، وذلك بفضل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد، والتي خطت الطريق لتعزيز الجهود الوطنية للنزاهة والشفافية واتخاذ جهود واضحة ومبنية على أسس راسخة وتشريعات صارمة تساهم بدورها في تحقيق رؤى قطر الوطنية 2030 والتي تهدف إلى بناء مجتمع نزيه يعزز من فرص التنمية المستدامة”.
وأشار إلى “أن الاجتماع الوزاري الثاني يعد فرصة ثمينة لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الفساد”، معربا عن ثقته بأن “ما سيتوصل إليه الاجتماع من توصيات ومقترحات سيسهم بشكل فعال في محاربة الفساد، وبناء نظام إداري ومؤسسي يقوم على العدل والإنصاف والمساواة”.
وأعرب عن أمله “أن يكون الاجتماع مناسبة لتبادل الخبرات والأفكار والتصورات”، موضحا “أن دولة قطر ترحب دائما بمشاركة خبراتها مع الدول الشقيقة والصديقة”.
طه
من جانبه، عبر الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه، بالنيابة عن الأمانة العامة للمنظمة وعن جميع الوفود المشاركة، عن الامتنان العميق لصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ولحكومة دولة قطر على استضافة هذا الاجتماع المهم.
وأكد أن “اتفاقية مكة المكرمة” ليست مجرد وثيقة قانونية؛ بل هي دليل على مدى التزامنا الجماعي بتعزيز التعاون؛ حيث تركز على تعزيز التعاون بين سلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد، مع التركيز بشكل خاص على تعزيز آليات الاتصال وتبادل المعلومات وتسريع التحقيقات وجمع الأدلة”.
وأوضح “أن الهدف النهائي للاتفاقية يتمثل في ضمان المعالجة السريعة والفعالة لطلبات تبادل المعلومات والتحقيقات بين الدول الأعضاء لدعم العدالة الجنائية وضمان مساءلة مرتكبي الفساد”.
وشدد طه على “أننا نعيش في عالم لم تعد فيه تدابير مكافحة الفساد التقليدية كافية”، لافتا إلى “أن الوتيرة السريعة للتقدم التكنولوجي قد زودت الجناة بأدوات جديدة لإخفاء عائدات الفساد والإفلات من العقاب، لذلك يجب على منظمة التعاون الإسلامي تعزيز التعاون والتنسيق، ولا سيما بين سلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد في الدول الأعضاء لمواجهة هذا التحدي العالمي”.
وأكد “أن الاجتماع الوزاري الثاني يتيح فرصة حاسمة لتعزيز التزامنا بمكافحة الفساد وذلك من خلال تعزيز التعاون بين سلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد، ويعزز الرسالة التي مفادها أن مكافحة الفساد لا تزال تشكل أولوية قصوى على جدول أعمال المنظمة”.
وحث طه جميع الدول الأعضاء على “إظهار التزامها بمكافحة الفساد وذلك من خلال توقيع “اتفاقية مكة المكرمة: وتصديقها”، موضحا “أن الاتفاقية ليست فقط مجرد اتفاق رسمي، ولكنها وسيلة لخلق التآزر وتعزيز الشراكات، وتكثيف الجهود المتضافرة للحد من الفساد.
توقيع الاتفاقية
وعقب الجلسة الافتتاحية وقعت عدد من الدول على “اتفاقية مكة المكرمة للدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي في مجال إنفاذ قوانين مكافحة الفساد”.
ووقع الاتفاقية كل من المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، والمملكة الأردنية الهاشمية، وجمهورية باكستان الإسلامية، ومملكة البحرين، وجمهورية بنغلاديش الشعبية، وجمهورية السودان، وجمهورية سيراليون، وجمهورية الصومال الفيدرالية، وجمهورية العراق، وسلطنة عمان، وجمهورية القمر المتحدة، ودولة الكويت، والجمهورية اللبنانية، ودولة ليبيا، وماليزيا، وجمهورية النيجر، والجمهورية اليمنية، والجمهورية الإسلامية الموريتانية، وغينيا، وجمهورية تشاد.
وشهد الاجتماع الوزاري مداخلات من الدول الأعضاء تستعرض جهودها وإسهاماتها في مجال مكافحة الفساد.
كما اعتمد الاجتماع الوزاري عددا من القرارات التي تهدف إلى تعزيز العمل الإسلامي المشترك في مجال تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد، ورفع مستوى التنسيق بين سلطات القانون المختصة بمكافحة الفساد في دول منظمة التعاون الإسلامي.