ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.
بعد الإنجيل قال في عظة: “وضعت كنيستنا المقدسة أن يقرأ اليوم مقطع من رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس يتكلم فيه على السلام كصفة للمسيح. فأي سلام هو الذي يغدقه ربنا علينا؟ كان الرسول بولس يبدأ رسائله بطلب النعمة والسلام لسامعيه قائلا مثلا: «نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح» (أف 1: 2). أما رسالة اليوم فمطلعها: «يا إخوة، إن المسيح هو سلامنا». لا يتحدث الرسول على سلام تسعى إليه الشعوب، وقد كان سائدا في أيامه، أي السلام الروماني الذي حققته الإمبراطورية الرومانية عبر بسط سيطرتها على شعوب منطقة البحر الأبيض المتوسط، واضعة حدا لهجمات القراصنة والبرابرة. إنه سلام مختلف، سلام الله، يسوع المسيح المتجسد لخلاصنا والقائل: «سلاما أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب» (يو 14: 27). يمنحنا الرب الساكن قلوبنا سلاما داخليا يجلب لنا انسجاما في علاقتنا مع الله والناس. هذا السلام يبدأ من الخارج، من محاولة الإنسان أن يتصالح مع من حوله. يقول الرسول بولس: «لا يغلبنك الشر، بل إغلب الشر بالخير» (رو 12: 21).
أضاف: “إذا كان السلام الخارجي الذي تسعى إليه الشعوب يرتبط غالبا بالحروب، أي يكون نتيجة انتصار القوي على الضعيف وفرض سيطرته عليه، أو نتيجة تعادل الأقوياء، بحيث يضطرون على إحلال سلام قسري بينهم، فإن سلام الله، السلام الداخلي الذي يسعى إليه المؤمنون، يرتبط أيضا بالحرب، إنما بحرب من نوع آخر يدعونا إليها الله، ليست ضد الناس الآخرين، إذ لا يريدنا أن نتقاتل، كون ذلك مخالفا لوصاياه القائمة على المحبة لا على الحرب والقتل. حربنا هي ضد قوى الشر الروحية، لا البشرية، كما يقول لنا الرسول بولس: «فإن مصارعتنا ليست ضد دم ولحم، بل ضد الرئاسات، ضد السلاطين، ضد ولاة العالم، عالم ظلمة هذا الدهر، ضد أجناد الشر الروحية في السماويات» (أف 6: 12). إنها حرب صعبة، لأن العدو هو إبليس الساعي دائما إلى جذبنا نحوه، بعيدا عن الله مصدر حياتنا. يخبرنا الرسول أن المسيح هو سلامنا، وليس أي أحد أو أمر آخر. قد يبحث البعض عن السلام في ممارسات دنيوية كاليوغا وغيرها من الممارسات التي هي طريقة لعبادة أوثان معينين، فيبقى هذا السلام مزيفا، وفوق هذا نبتعد عن السلام الحقيقي الذي جاء المسيح ليرسيه على الأرض. جاء الرب وبشرنا بالسلام، البعيدين منا والقريبين «لأن به لنا كلينا التوصل إلى الآب في روح واحد». سلام المسيح هو طريقنا لنصير «مواطني القديسين وأهل بيت الله».
وتابع: “يعتقد بعض المسيحيين أن عليهم حمل السلاح لمحاربة الساعين إلى قتلهم أو إخضاعهم. غير أن الرسول بولس يقطع عليهم الطريق، مذكرا إياهم بأن الحرب ليست ضد البشر، والسلاح الذي عليهم حمله ليس ماديا، بل روحي يقوم على الفضائل التي يطلب الرب منا أن نسلك وفقها وهي الحق والبر والإيمان والخلاص، كما يقول في موضع آخر من رسالته إلى الأفسسيين (6: 14-17). هجومنا لا يمكن أن يكون ماديا، بل هو بكلمة الله الأمضى من أي سلاح، ولا يقدر أي سلاح على صدها. نقرأ في سفر إشعياء: «كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان إلى هناك، بل يرويان الأرض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطي زرعا للزارع وخبزا للآكل، هكذا تكون كلمتي (أي كلمة الله) التي تخرج من فمي. لا ترجع إلي فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح في ما أرسلتها له» (إش 55: 11). هذا ما فعله المسيح المتجسد، الذي عندما صلب، وقبل أن يعود إلى أحضان الآب قال: «قد تم».
وقال: “إن التسلح بكلمة الله يعني العيش وفقها، فليس المطلوب من المؤمن أن يردد كلمة الله بل أن يحياها، فتفعل فيه وتنطلق من خلاله إلى الآخرين لتفعل فيهم أيضا. إذا، دعوتنا اليوم ليست إلى الحرب، بل إلى عيش سلام مسيحنا الآتي ليتجسد ويحارب شر هذا العالم بالكلمة والمحبة. علينا أن نحدد هدف حربنا، أي إبليس، وأن نتسلح بسلاح الله فقط ساعين إلى بسط سلامه الحقيقي أينما حللنا، لنكون حقا «مواطني القديسين وأهل بيت الله» كما سمعنا في الرسالة”.
أضاف: “بعد أسوأ وأشرس حرب عاشها لبنان وقد خلفت خسائر فادحة في الأرواح والأملاك، يصبو اللبنانيون إلى عيش سلام يعيد إلى نفوسهم الطمأنينة والأمل بغد مشرق، واضعين ثقتهم في دولتهم، آملين أن تبسط سلطتها على كامل أرضها، وأن تستعيد دورها وثقة اللبنانيين والعالم بها. لدى لبنان الآن فرصة تاريخية لإثبات قدرته على حكم نفسه وبسط نفوذه وتقوية جيشه وبناء مؤسساته واحترام استقلالية قضائه، وهذا لن يحصل إلا بعد انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة فماذا ننتظر؟ لم تأخير الموعد؟ لم لا يتم انتخاب الرئيس اليوم قبل الغد؟ لم لا نشتري الوقت لإنقاذ بلدنا، وحمايته في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها منطقتنا التي تغلي؟ لم لا يدعى النواب أو يتداعوا لانتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن لكي تبدأ ورشة الإصلاح والعمل الجاد لبناء دولة قوية، عادلة، عصرية، مزدهرة، يعيش فيها أبناؤها في ظل القوانين والمواطنة والمساواة والإحترام، ويكون إيمانهم بالله واضحا في سلوكهم القويم لا في تعصبهم وتطرفهم وتقاتلهم”.
وختم: ” الله محبة وهو يدعو إلى محبة الآخر كائنا من يكون، والعيش معه بسلام واحترام «فينسق البنيان كله وينمو هيكلا مقدسا للرب» كما قال بولس الرسول”.