
عقد المكتب التنفيذي لمنظمة” العمل اليساري الديمقراطي العلماني” اجتماعاً خصصه لمناقشة تقريره حول وقائع ودلالات الانتخابات البلدية والاختيارية التي شهدها لبنان خلال شهر أيار المنصرم. وبالنظر لأهمية القراءة وما تضمنه التقرير، والدروس التي يمكن الإفادة منها خصوصا من قبل قوى المعارضة والاعتراض في الانتخابات المقبلة. قرر المكتب وضع التقرير أمام الرأي العام، وهنا أبرز ما ورد في النص:
“جرت الانتخابات البلدية في السياق السياسي العام الذي سمح بإنهاء الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة. وقد شكلت الشعارات الانقاذية والاصلاحية التي عنها، الحافز الاساسي لالتزام العهد والحكومة بتنفيذ الانتخابات البلدية في موعدها المقرر والمؤجل مرتين منذ ثلاث سنوات، بصرف النظر عما يحفل به البلد راهناً من أزمات وأوضاع صعبة .
ومع تسجيل إيجابية إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها بغض النظر عن كل ما شابها من خلل ونواقص. لكن هذا الالتزام لم يشكل دليلاً على وجود نهج اصلاحي لدى العهد والحكومة يتضمن إعادة النظر بقانون الانتخابات وآليات العمل البلدي، في اطار مسار إصلاحي شامل يتطلب تغييراً جذريا في النظر الى قضية الانتخابات من منظور ديمقراطي موصول بحاجات المجتمع.
لذلك كان من الطبيعي أن تساهم الانتخابات في ترسيخ نمط بناء السلطة والعلاقات المجتمعية استناداً إلى الموروث التقليدي، من الاطر والعلاقات الناظمة لبنية أكثرية قوى المجتمع التي شاركت فيها من منطلقات طائفية ومناطقية وعائلية، بعيداً عن مفهوم المواطنة وما يتصل بها من حقوق. وفي هذا الاطار يقع الامعان في تشويه العمل البلدي بواسطة قانون الانتخابات القائم على ربط التصويت في الانتخابات بمكان القيد الأصلي، وتجاهل حقوق الاقامة في أماكن السكن، ما يتناقض مع الدعوة إلى اللامركزية الادارية الموسعة.
لقد طغت على الانتخابات البلدية مقولة الدور التنموي للبلديات، بغية الإيحاء بالطابع غير السياسي لها، واعفاء مؤسسات السلطة المركزية من مسؤولياتها التنموية والتحديثية على صعيدي الدولة والمجتمع. وعلى ذلك عمّ التلطي خلف العائلات والانتماء الطائفي، للتغطية على محاولات تزخيم صراع الزعامات والقوى السياسية التقليدية على النفوذ، وسعيها لتصفية الحسابات فيما بينها.
وبذلك لا تُقراً نتائج الانتخابات بمعزل عن قانون الانتخابات، وعن الاجراءات الإدارية والمالية التي قامت بها الحكومة، وعن سلوكيات مؤسسات الدولة واجهزتها، خاصة لجهة غياب هيئة الرقابة المالية والاعلامية، وانعكاسات ذلك على العملية الانتخابية من ناحية، وعلى أداء مختلف القوى المشاركة في الحكم من مواقع المحاصصة الطائفية من ناحية أخرى. يشمل ذلك توزيع اقلام الاقتراع والموظفين المكلفين بإدارة وتنظيم وحماية العملية الانتخابية على النحو الذي يتوافق مع المصالح الانتخابية لاحزاب وتيارات السلطة. وهو الاداء الذي شغلت مخالفاته الحيز الاكبر من تقارير جمعية مراقبة ديمقراطية الانتخابات (لادي).
وقد تميّزت الانتخابات البلدية بظاهرة ضعف المشاركة في التصويت، نتيجة الضغوط والممارسات السياسية لقوى السلطة منفردة او مجتمعة. والدليل على ذلك يتمثل بنسب التصويت المتدنية في أكثرية المناطق في ظل قانون الانتخابات وصعوبات الانتقال، التخلي عن حق المشاركة في الانتخابات وتحمّل مسؤولية المساهمة في عملية الإصلاح الديمقراطي الحقيقي بما فيها المطالبة باصلاح النظم الانتخابية.
ومن المؤكد أن الانتخابات البلدية والاختيارية قد شكلت فرصة استثنائية وارضية واضحة لإعادة قراءة تشكيلات واطر البنية المجتمعية اللبنانية من بواباتها العامة والمخصوصة كافة. الامر الذي يجعل نتائجها مقررة على صعيد رسم خارطة الاوزان الشعبية والادوار والاصطفافات السياسية والاجتماعية وحدود التعارضات والتناقضات، ومستويات الخصومة بين قوى احزاب وتيارات الطوائف التقليدية في شتى المناطق.
ويسجل في هذا السياق تجدد محاولات الاحزاب المسيحية، خاصة القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، توسيع ميادين المحاصصة الطائفية والسعي لتقسيم بلدية العاصمة، بذريعة ضمان مناصفة التمثيل الطائفي فيها. وفشل المحاولة وعدم الاخذ بمشروع قانون ينظم تحديد نسب التمثيل الطائفي فيها، لا استجر مطلب تعميم ذلك على جميع المناطق المختلطة في المجالس البلدية .
لينتهي الامر بتشكيل لائحة محاصصة طائفية ومذهبية شاركت فيها أكثرية قوى السلطة لضمان فوزها على سائر اللوائح الأخرى.
وفي المحصلة، لقد برّزت العملية الانتخابية المعادلة الذهبية التي تحكم أداء سائر تيارات واحزاب السلطة دون استثناء. وهي المعادلة التي تستند إلى حق كل طرف في ضمان مصلحته باعتماد قواعد التحالف والشراكة والخصومة والعداء في آن. وعند التدقيق في صيغة تشكيل اللوائح وعقد التحالفات وتنظيم الخصومات، نجد خليطاً عجيباً من التشكيلات التي حكمت علاقات تلك القوى بكل ما تنطوي عليه المسألة من تعارضات وتناقضات وصراعات. علماً ن العملية الانتخابية قد أفسحت في المجال امام استكشاف واقع حال قوى الاعتراض من مختلف النواحي وتبيّن مواقع اقدامها، بعيداً عن ادعاءاتها التي يطعن بها هامشية تواجدها ومحدودية فعالية ادوارها وادائها. دون ان يعني ذلك الاستهانة بأهمية وجودها، أو بما خاضته من معارك في العديد من القرى والبلدان والمدن الرئيسية.
الساحة المسيحية
لقد تميزت الساحة المسيحية بالمعارك والمبارزات الانتخابية الأكثر حدة وحيوية وحضوراً إعلامياً، وأكدت المحصلة الاجمالية أن القوات اللبنانية سجلت تقدماً وبيّنت بالرغم من شراسة المعركة أنها الطرف المسيحي الأقوى، لأنها نجحت في كسب الرأي المسيحي المحايد، كما حدث في زحلة حيث تمكنت من الفوز منفردة من خلال استغلال خصوصية ورمزيات دورها. الأمر الذي سيكون له انعكاساته في تعاملها، ليس مع الاطراف المسيحية الاخرى في الانتخابات النيابية القادمة وحسب، بل مع شركائها في السلطة. وكذلك مع رئاسة الجمهورية، في ضوء تراجع الرهان على العهد في الاوساط المسيحية. تبقى الإشارة إلى إمكانية استسهال الاندفاع والمغامرة من قبل قياداتها على رافعة الانتصار المتحقق، على النحو الذي قد يعود بالضرر عليها، كما جرى مع منسبقها من قوى أخرى مشابهة.
في المقابل أكدت الانتخابات البلدية أن خروج التيار الوطني الحر من السلطة لم يكن بلا أكلاف وخسائر باهظة، ضاعفها مغادرة عدد من النواب الاساسيين صفوفه. وقد أكدت النتائج تراجعاً ملحوظاً في وزن التيار الوطني الحر وقدرته التمثيلية، رغم فوزه في مدينة جزين الذي يمكن النظر له رغم دلالاته المتنوعة على أنه تعويض جزئي عن خسائره. في المقابل حافظ حزب الكتائب على مواقعه التقليدية. وبينما اعاد تنظيم المردة تأكيد حضوره في قضاء زغرتا، لم يفلح تيار ميشال معوض في تحقيق النتائج المرجوة من قبله.
كذلك تميزت الساحة المسيحية بالحضور الوازن للمستقلين في الانتخابات البلدية، ومشاركتهم في تشكيل اللوائح في العديد من البلدات والقرى والمدن. وقد اضيف لهم مساهمة النواب الذين خرجوا من التيار الحر في مناطق المتن وجبيل وبعبدا وكسروان، الذين أكدت نتائج اللوائح التي شاركوا في تشكيلها فعالية حضورهم، خلافاً لادعاءات رئيس التيار الحر. ولا يختلف عن ذلك نتائج الأحزاب الارمنية في مناطق تواجدها. كذلك تيار آل المر الذي جدد حضوره في بلدات وقرى المتن الشمالي، بما فيه رئاسته لاتحاد البلديات في مواجهة حزب الكتائب.
الساحة السنية
شكلت الساحة السنية ميداناً مختلفاً للمبارزات الانتخابية، من طرابلس وعكار إلى بيروت وصيدا والاقليم وصولاً الى البقاعين الغربي والاوسط. والبارز في المعارك التي شهدتها تلك المناطق حالة التشرذم والتفكك العام الناجمة عن إخراج تيار المستقبل من الاستحقاق البلدي، بقوة الضغط الخارجي، لأن الفراغ الكبير الذي نتج عنه لم يجد من يملأه. والنتيجة فوضى الترشح للانتخابات وتعدد اللوائح على نحو غير مسبوق في محاولة لتقاسم المواقع البلدية على رافعة تحالفات ظرفية تقاطعت من خلالها مصالح وطموحات احزاب السلطة وسواها.
وكان البارز على هذا الصعيد اللائحة التي تشكلت تحت راية حماية المناصفة في المجلس البلدي للعاصمة، بمشاركة جميع احزاب السلطة، بمن فيهم حزب الله وحركة امل والقوات اللبنانية والتيار الحر وجمعية المشاريع ورئيس حزب الحوار فؤاد مخزومي وسواهم. وفي مواجهتها تشكلت لوائح أخرى ضمت انصار واعضاء من تيار المستقبل كمستقلين. كان البارز فيها اللائحة التي ترأسها العميد محمود الجمل وشاركت فيها الجماعة الإسلامية ومستقلين برعاية النائب نبيل بدر رئيس نادي الانصار. واللائحة التي ترأستها السيدة رولا العجوز، وضمت مستقلين وفعاليات من اصحاب الكفاءة بدعم من رئيس مجلس أمناء جمعية المقاصد، والثالثة لائحة غير مكتملة شكلها المرشح عدنان الحكيم وريث حزب النجادة. في المقابل تمكن بعض نواب “التغيير” وعدد من المجموعات الناشطة أبرزهم بيروت مدينتي من تأليف لائحة مكتملة. وعليه بلغ عدد اللوائح في العاصمة ستة مع اعلان لائحة شربل نحاس.
وبنتيجة التصويت في العاصمة سجل خرق وحيد للائحة السلطة حققه العميد الجمل بفعل التصويت الاحتجاجي لتيار المستقبل. والملفت وفق المعطيات القائم أن تصويت جمعية المشاريع والثنائي الشيعي شكل الضمانة لحماية المناصفة ونجاح اللائحة لأنه بلغ ثلاثة اضعاف التصويت المسيحي. ولم يختلف الوضع في في مدينتي طرابلس وصيدا، حيث تعددت اللوائح واختلطت التحالفات، وتباينت مواقف النواب ومنافسيهم حول صيغة الانخراط في الانتخابات لتجنب أكلاف ارتدادات المعارك الانتخابية البلدية سلباً على الانتخابات النيابية في العام القادم.
وفي سياق رصد نتائج العملية الانتخابية، أكد الحزب التقدمي الاشتراكي أنه القوة الرئيسية في مناطق تواجده دون منازع. وقد تميزت مشاركته في الكثير من البلدات والقرى بالسعي للتزكية تحت سقف الولاء له، والمرونة في خوض المعارك الانتخابية بين اللوائح التي تضم محازبين ومقربين منه. عدا أن الحزب لم يقفل ابواب المشاركة مع خصومه من القوات اللبنانية والتيار الحر في البلدات المختلطة، وكذلك في الاقليم. في المقابل سعى لتجنب خوض المعارك مع التيارً منه حرصا على وحدة الطائف في لحظة سياسية استثنائية جداً.
الثنائي الشيعي
وفيما خص الساحة الشيعية، وبعد الحرب الإسرائيلية المدمرة، والكم الهائل من الخسائر البشرية التي دفعها حزب الله، والحصة الأكبر لمناطق تواجده من التهجير والدمار والخراب الذي اصاب البلد. فإن المحصلة الاجمالية للانتخابات البلدية والاختيارية تمثلت بعدم تراجع موقع حركة أمل وحزب الله، كما كان يتوقع البعض. وقد تعامل الطرفان، خصوصا الحزب، مع الاستحقاق الانتخابي باعتباره فرصة استثنائية لتأكيد ثبات ورسوخ موقعه الطائفي المتقدم.
ولذلك استخدام ترسانة اسلحته التعبوية والسياسية والمالية لتزخيم مشاركته ترشيحا وتصويتا. وفي السياق كان تجديد التحالف بين طرفي الثنائي الشيعي لخوض المعركة معا. وعليه تشارك الطرفان خوض معارك التزكية في جميع القرى والبلدات، وعبر استغلال مضاعفات الحرب ونتائجها الكارثية على البنية والبيئة الشيعية تحت شعار التوافق وعدم الذهاب للانتخابات. ولذلك جرى استحضار رايات الشهداء والجرحى وقضايا التهجير والدمار والتعويضات والاعمار، في موازاة خطاب التخوين الجاهز دوماً في مواجهة كل من يتجرأ على الرفض أو الاعتراض والمشاركة في تشكيل لوائح مخالفة. علماً أن الاتفاق لم يحل دون محاولات حركة أمل استغلال حاجة الحزب للتحالف معها، وسعيها لتعديل موازين القوى لمصلحتها.
وبنتيجة الجهد المشترك والضغوط التي مورست، ارتفعت على نحو غير مسبوق اعداد اللوائح التوافقية التي فازت بالتزكية في محافظتي البقاع والجنوب. في المقابل لم يتردد طرفا الثنائي الشيعي عن خوض المعارك التي فرضت عليهما بأقصى امكاناتهما وبأعلى مستوى ممكن من التجييش الطائفي والعائلي والتعبئة المذهبية والفئوية. والاهم تمثل في حدة المعارك في بعلبك والهرمل وشمسطار وسواها بقاعاً، كذلك في الجنوب، كما جرى في النبطية وكفر رمان وعدلون وحولا والزرارية وغيرها الكثير.
والمحصلة فوز جميع لوائح الثنائي الشيعي، مع تسجيل خروقات محدودة لا تؤشر مطلقاً إلى تغيير ملموس في المزاج الشعبي، خلافاً لرهانات البعض ورغبات البعض الآخر. كما كشفت الانتخابات أيضاً واقع قوى الاعتراض وحدود فعاليتها ومدى هامشيتها. ويبقى الأهم في ضوء النتائج التي سيكون لها ما بعدها على صعيد تعامل طرفي الثنائي الشيعي من سائر مشكلات وازمات البلد ومع شركائهما في السلطة بما فيه العهد والحكومة.
قوى الاعتراض
بدا واضحاً أن التيارات والاحزاب الطائفية من أهل السلطة لم تكن معنية بالتحضير للانتخابات، في ضوء جهوزيتها الدائمة للمشاركة فيها، استناداً إلى بنيتها المجتمعية وخطابها الطائفي وطبيعة مشاريعها الفئوية. والجهوزية مردها أيضاً الموروث البنيوي التقليدي الطائفي والعائلي والمناطقي في آن، والقدرة على استغلال ما تتيحه لها مواقعها في مؤسسات السلطة وأجهزتها الادارية والامنية في خدمة معاركها الانتخابية.
في المقابل تميزت مشاركة نواب “التغيير” ومجموعات وقوى واحزاب الاعتراض التي تدعي وصلاً بالديمقراطية والتغيير، أنها ذهبت إلى ميادين الانتخابات في سائر المناطق، وهي تفتقد للحد الادنى من الجهوزية. لذلك ارتجلت معارك اثبات وجود، سواء تعلق الامر بالترشيحات والتحالفات، او بتدبيج برامج وشعارات انتخابية، في ظل التفكك القائم والامكانات المحدودة.
ما يعني أن تلك القوى افتقدت للحد الأدنى من أطر التحضير والتنسيق فيما يبنها لخوض المعارك الانتخابية، سواء على الصعيد العام أو المناطقي والمحلي. وهو امر لا يتحقق الا عبر مسار تراكمي مديد ومعقد، يعكس مستويات من الانتساب لقضايا ومشكلات وحقوق البيئة المحلية والفئات المجتمعية، في المدن والارياف على السواء. وعليه لا يُقرأ تدني نسب التصويت للوائح الاعتراض على أن أنه موقف عدائي منها، بقدر ما هو نتاج انعدام ثقة بممثليها وبأدائهم في آن.
رغم ذلك، تمكنت قوى الاعتراض من تأكيد حضورها. ونجحت في كسر هيمنة قوى السلطة واحزابها على الانتخابات والتحكم بمساراتها. وقد انتزعت حق الاعتراض في الميدان وتجرأت على الاطر التقليدية في أعتى معاقلها. حصل ذلك بالرغم مما شاب معاركها من عيوب ونقص في التحضير وفي الإدارة ومراقبة الفرز، مقارنة مع قدرة احزاب السلطة.
يضاف إلى ذلك نجاح المرأة في تأكيد حضورها بقوة كفاءاتها، واستعدادها للمشاركة في العملية الانتخابية في جميع محطاتها. وكان لافتاً إقدام عشرات النساء على الترشح في أكثر اللوائح. والبارز تمثل في ترأس عدد من الناشطات لوائح انتخابية في أكثر من بلدة وقرية، وفي العاصمة ترأست السيدة رولا العجوز لائحة نجحت في كسب نسبة اصوات لا يُستهان بها.
قوى اليسار
وفي هذا السياق لم تكن قوى البيئة اليسارية على سوية واحدة في التعامل مع الاستحقاق الانتخابي. وقد عكست مشاركة الحزب الشيوعي تفكك منظماته الحزبية، وعدم التزامها بقرار خوض المعركة من خلال دعم لوائح أصدقاء الشيوعيين والمستقلين. في ظل الميل العام لدى قواعده إلى السعي والقبول بالتوافق مع قوى السلطة بأي ثمن بغية الفوز. كالتحالف مع القوات والتيار الحر في الكورة وعكار، ومع الثنائي الشيعي في مواجهة اليساريين والمستقلين كما في حولا وأنصار وسواها.. في الوقت عينه شاركت العديد من منظماته في خوض المعارك بالتنسيق مع يسارين ومستقلين.
في المقابل، ورغم ضألة الامكانات والانتشار المحدود، تميزت مشاركة المنظمة بوضوح الموقف السياسي، وفي التزام الوجهة التي تضمنها بيان الدعوة للمشاركة في الانتخابات. وشاركها في ذلك العديد من الناشطين اليساريين والمستقلين. وعليه كان رفض شروط الثنائي الشيعي للتوافق كما جرى في سحمر والعين وكفرصير والبازورية… في موازاة الحرص على التزام حقي الترشح وخوض الانتخابات للجميع، كانت المشاركة في خوض المعارك مع المستقلين واليسارين والديمقراطيين حيث أمكن، كما في الهرمل وعدلون وكفرشوبا وحولا وطيردبا وديركيفا والدوير وغيرها. والاهم كان المعركة الانتخابية في مدينة بعلبك، ودور المنظمة ومساهمتها في التحضير لها وفي حشد قوى الاعتراض والمستقلين في المدينة. كما في مواجهة الضغوط الهائلة بكفاءة عالية رغم الخلل الاداري وضعف الامكانات مقارنة بلائحة الثنائي.
تقييم عام
لا يقرأ المشهدَ الانتخابي على نحو اجمالي بمعزلٍ عن الوضع الراهن في سياقه الوطني العام. وكلاهما يستدعي طرح الكثير من الاسئلة المصيرية التي تتعلق بأوضاع البلد في اطار معادلات السلطة والقوى التي تتشكل منها، استناداً الى محصلة النتائج التي انتهت إليها الانتخابات البلدية، والتي أظهرت مدى تجذر صيغة المحاصصة الطائفية والفئوية، ورسوخ منظومة الولاءات الاجتماعية ـ الاقتصادية التقليدية في شتى المناطق اللبنانية مدناً وارياف. خصوصا وأن الانتخابات البلدية قد نجحت في تظهير المستويات المريعة للانهيار العام على صعيد البنية المجتمعية اللبنانية. إلا أنها بينت في المقابل مستويات واسعة من الاعتراض العلني والمكبوت في آن. والاهم فقدان الثقة بالقوى والمجموعات التي ترفع شعارات التغيير. ما يدفعها لإدارة الظهر للأنشطة والتحركات التي يطغى عليها الفولكلور السياسي، لأن البرامج العامة والشعارات الفضفاضة، لم تعد تشكل بالنسبة لهؤلاء حافزاً للاهتمام بها أو المشاركة فيها.
ختاماً، ولأن الانتخابات الأخيرة كانت بمثابة مختبر لقواعد اللعبة الوطنية برمتها، بين مجموع قوى السلطة منفردين ومجتمعين في آن، بكل ما يحتشد في صفوفها من فساد سياسي وممارسات ميليشياوية، وبين أكثرية المجتمع المتضررة من سياسات ومغامرات وممارسات قوى الطوائف التي تتحكم بها وتصادر حقوقها وتأسر طموحاتها في التقدم والتطور. يبقى التعويل على قيام حركة معارضة ديمقراطية تعددية، نعتقد أن البلد بأمس الحاجة لها في ظل الاخطار التي تهدد بتبديد فرصة الانقاذ المتاحة للبقاء بلداً موحداً قابلاً للتطور والتقدم، وفي أن يكون وطناً لجميع أبنائه”.