
أشار رئيس “المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع” عبد الهادي محفوظ في تصريح إلى أن “المبعوث الأميركي توم باراك حاول دفع إسرائيل إلى إبداء قدر من المرونة في ملف الانسحاب من النقاط الخمس، بما ينسجم مع نظرية “الخطوة خطوة” الأميركية، غير أن محاولته اصطدمت برفض إسرائيلي مطلق، ما أدى إلى انكفائه عن المشهد اللبناني”.
وقال: “ومع ذلك، واصلت واشنطن ضغوطها على لبنان من أجل تنفيذ الورقة الأميركية والالتزام بمهل زمنية محددة لسحب سلاح حزب الله وتسليمه إلى الدولة اللبنانية. وقد تجسدت هذه الضغوط عبر زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس وقائد القيادة الوسطى الأميركية الأدميرال براد كوبر، بهدف التأكد من التزام الحكومة اللبنانية بتنفيذ الخطة ضمن جدول زمني صارم، من دون ربطها بأي تعهدات إسرائيلية مسبقة”.
وأضاف: “وفي المقابل، تعد الإدارة الأميركية بمحاولة إقناع إسرائيل لاحقا بضرورات انسحاب مشروط، في وقت تعطي فيه واشنطن الأولوية لملف غزة، سعيا إلى كبح جماح تل أبيب عن ضم الضفة الغربية. هذه المعادلة انعكست شللا على الحكومة اللبنانية، وأدخلتها في حالة من الضياع والتيه السياسي، ما أدى إلى تعميق الفجوة بين المكونات اللبنانية المختلفة، وداخل السلطة نفسها. وفي ظل هذا الواقع، تغدو الوعود الأميركية بتزويد المؤسسة العسكرية بالمعدات والعتاد بلا جدوى، إذ تبقى رهينة معادلات سياسية إقليمية ودولية أكبر”.
وتابع: “وإلى جانب المأزق الداخلي، يشهد المشهد الإقليمي تعقيدات إضافية بفعل التوازنات الدولية الجديدة بين محور روسيا – الصين – كوريا الشمالية، والمحور الأميركي. هذا الانقسام أتاح هامشا واسعا من المناورة السياسية أمام قوى إقليمية أساسية مثل إيران وتركيا وإسرائيل. فروسيا تسعى إلى دور محوري في سوريا لاستخدامه كورقة ضغط في الملف الأوكراني، مع حاجتها إلى دعم إيراني. أما الصين، بوصفها المنافس الاقتصادي الأول لواشنطن، فترى في إيران شريكا استراتيجيا لا يمكن خسارته، فيما تسعى واشنطن في المقابل إلى تحجيم نفوذ بكين عبر تعطيل طريق الحرير”.
وأردف: “وفي هذا السياق، يتزايد الاهتمام الدولي بسوريا، حيث يتسع التنافس بين أنقرة وتل أبيب. وتجد واشنطن نفسها أمام معضلة التوفيق بين تحالفها الوثيق مع إسرائيل وشراكتها مع تركيا، العضو في حلف الناتو، والذي تحتاجه في مواجهة المحور الروسي – الصيني – الكوري الذي نجح في تحييد الهند. هذه العواصف الإقليمية انعكست على لبنان، فأدخلت السلطة السياسية في حالة عجز وحيرة، ما يجعل اتخاذ القرارات المصيرية أمرا شبه مستحيل. ويعود ذلك إلى أن واشنطن باتت شريكة مزدوجة: فهي شريكة إسرائيل في ما يتعلق بالملف اللبناني من خلال النصح والتمني، وشريكة لبنان عبر فرض الالتزام بالموقف الأميركي، مهما كانت تداعياته على الداخل والسيادة اللبنانية. وبهذا المعنى، تحدد واشنطن المصلحة اللبنانية حصرا في ضوء شراكتها مع إسرائيل، لا خارجها”.
وقال: “أما الترجمة العملية لهذه الشراكة، فتتجلى في المنطقة الاقتصادية في الجنوب اللبناني تحت عناوين استثمارية وسياحية وتطبيعية، مع إشراف مباشر على ملف النفط والغاز وفق قاعدة الشراكة”. ويظهر التعقيد اللبناني جليا في كلام قائد الجيش العماد رودولف هيكل عن الصعوبات التي تواجه الخطة التنفيذية لحصر السلاح، والحاجة إلى إمكانات كبرى مع الحرص على السلم الأهلي. وهنا تجد السلطة السياسية نفسها أمام معادلة صعبة: مراعاة ضمانات واشنطن لإعادة الإعمار وجلب الاستثمارات، في مقابل الحفاظ على الميثاقية الطائفية والدستورية. وهو ما يعيد إنتاج صيغة لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم، أي تجديد مخفف لنظرية لا غالب ولا مغلوب”.
وختم محفوظ: “إن معالجة المأزق اللبناني تبقى مرهونة بما ستفرزه التطورات الإقليمية، خصوصا لجهة فتح قنوات حوار أميركية واسعة مع كل من إيران والسعودية وتركيا وإسرائيل، إضافة إلى ترتيبات أخرى تراعي قدرات لبنان وإمكاناته. فالسياسات القائمة على عزل القوى اللبنانية أثبتت تاريخيا نتائجها الكارثية، كما حصل مع حزب الكتائب في العام 1975 حين حولته سياسة العزل إلى حزب المسيحيين عموما. واليوم، تؤدي سياسة عزل حزب الله إلى تحويله من حزب شيعي إلى حزب الشيعة”.