تحقيق ألين سمعان
تأسست الأمم المتحدة في عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، بهدف الحفاظ على السلام والأمان العالميين. جاء تأسيسها للحؤول دون تكرار الصراعات والحروب الدموية، وتعزيز التعاون بين الدول في مجالات الاقتصاد وحقوق الإنسان والتنمية.
تعتبر الامم المتحدة اكبر المنظمات العالمية نظراً لعدد الدول الأعضاء الذي بلغ 193 دولة في العام 2022.
ان احد اهم مهمات هذه المنظمة يكمن في تدخُّلها الفعَّال والمباشر للقيام بدور الوساطة المحايدة في حل النزاعات الدولية وتقديم المساعدة الانسانية التي تصبو لصون كرامة الإنسان والحفاظ على كرامته.
بعد ان تطرقنا بإيجاز لتاريخ التأسيس والأسباب التي دفعت لولادة هذه المنظمة لا بد لنا من تسليط الضوء على دورها في وطننا لبنان، وفي هذا السياق سنتناول قرار مجلس الامن الدولي التابع للأمم المتحدة والمدرج تحت الرقم 1701 الذي صدر في تموز 2006 وقضى بوقف الحرب التي اندلعت في 12 تموز واستمرت حتى 14 اب وادّت الى نزوح مُذِل وخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات والبنية التحتية في الجنوب وعلى امتداد مساحة لبنان.
أفضى القرار الاممي المذكور الى قدوم قوّات سلام متعددة الجنسيات الى الجنوب حيث انتشرت الوحدات العسكرية في الجنوب وبطبيعة القانون الدولي بعد موافقة وترحيب السلطات اللبنانية، ومع هذا الانتشار بدأت في المنطقة حالة من الود والصداقة بين السكان المحليين وهذه القوات التي عمدت منذ الايام الأولى لوصولها بالإطلاع بدور إنساني وإنمائي الى جانب دورها العسكري في الحفاظ على الامن والاستقرار على طول الحدود بموجب مندرجات وبنود القرار الدولي.
في قضاء مرجعيون وبحسب توزيع الوحدات العسكرية تمركزت الكتيبة الاسبانية في السهل الكائن بين بلدتي بلاط وابل السقي حيث أقيمت قيادة القطاع الشرقي. ومنذ الأيام الاولى لانتشار هذه الكتيبة تركَّز عملها على ازالة الأخطار المحدقة بالمواطنين من خلال ابطال مفعول القنابل العنقودية ومعالجة القذائف الغير منفجرة ونزع الالغام وتطبيق القرار 1701 عبر دعم الجيش اللبناني في تسيير الدوريات الأمنية المشتركة. والى جانب مهامها العسكرية والامنية اضطلعت هذه الكتيبة بأعمالً ذات ابعاد إنسانية وإنمائية في كافة قطاعات الحياة وذلك بالتعاون الوثيق مع السلطات المحلية المتمثلة بالبلديات وكافة المؤسسات الرسمية.
وفي سياق مهمتها من اجل السلام سقط للكتيبة الاسبانية ١٧ شهيداً اثناء تأديتهم لواجبهم العسكري في تطبيق القرار ١٧٠١ في احداثٍ متفرقة منذ العام ٢٠٠٦ وحتى يومنا هذا . وهذا الأمر يعكس استعداد والتزام المملكة الاسبانية وكتيبتها العاملة في اطار قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان و فحوى المهمة المنوطة بها.
وللجنوبيين في منطقة مرجعيون نظرة خاصة وشعور مفعم بالتقدير والمحبة لهذه القوات وبشكل خاص الكتيبة الإسبانية المنتشرة في عدد كبير من قرى وبلدات القضاء وذلك نظراً لسلوك جنودها الراقي ومودتهم الاخوية وعاطفتهم النبيلة التي تجلت في أبهى صورها عبر تقديم المساعدات والهبات السخية والمشاريع الإنمائية للبلديات والمدارس والمستشفيات والمستوصفات والجمعيات المحلية والأندية الرياضية ودعم قطاع الطاقة الكهربائية من خلال انجاز مشاريع الإنارة العامة العاملة بنظام الطاقة الشمسية وتقديم مولدات الكهرباء للقرى والبلدات والمؤسسات العامة ، والعمل على استحداث وصيانة شبكات المياه والخزانات العامة وتركيب فلاتر المياه حيث اقتضت الحاجة. ولم يوفروا جهداً في دعم المدارس على مستوى صيانة المباني وتأمين المعدات والأثاث والقرطاسية واقامة النشاطات المتنوعة لصالح القطاع التربوي. كما خصوا القطاع الزراعي بمساعدات عينية ومعدات ومواد زراعية وحملات بيطرية دورية وبرامج ارشاد لأصحاب المزارع، وندوات زراعية اقامها مهندسون مختصون ودكاترة عمداء جامعات زراعية في اسبانيا على شكل برامج سنوية عادت بالنفع المباشر على القطاع الزراعي بكامله في المنطقة. بالإضافة الى تعاون هذه القوات مع الجيش اللبناني والقوى الامنية كافة والدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني وتقديم الدعم لها على المستويين المادي والمعنوي واقامة برامج تدريب مشتركة أدت إلى تطور القدرات والإمكانيات العملية.
وكان للقطاع الطبي نصيب واسع تجسد بتنظيم الحملات الطبية في كافة البلدات والقرى مع تقديم الادوية واستقبال الكثير من الحالات الطارئة في العيادة العسكرية في قيادة القطاع الشرقي مقر قيادة الكتيبة الإسبانية، وفي قطاع الشباب كان للنشاطات الرياضية حيِّز واسع النطاق من خلال دعم الأندية وتنظيم المباريات برامج التدريب وتقديم الألبسة والمعدات والجوائز . وفي دعم اقتصاد المنطقة كان لهذه الكتيبة وغيرها من الوحدات دور رئيسي في دعم السكان المحليين عبر تأمين اكثر من مئتي فرصة عمل لأبناء المنطقة في مقر القيادة بالإضافة لتنظيم أسواق تجارية شهرية للمحال التجارية والمطاعم في مقر الكتيبة الإسبانية كما ان جنودها شكَّلوا منذ انتشارهم نواة حركة تجارية ومصدر رزق لسكان المنطقة . وفي سياق المودة والصداقة القائمة بين ابناء المنطقة والقوات الإسبانية اصبحت مشاركتهم في المناسبات الاجتماعية حالة تلقائية من منطلق المحبة والاحترام المتبادل .
ان ما تناولناه آنفاً هو غيضٌ من فيض في حُسِن العلاقة وعمق المحبة والعلاقة الراقية القائمة بين ابناء المملكة الأسبانية وابناء قرى قضاء مرجعيون حتى اننا ننظر اليهم كجزء لا يتجزأ من وجودنا كمواطنين لبنانيين في المنطقة .
وفي هذا السياق قال الجنرال غوميز ليرا قائد القطاع الشرقي في “اليونيفيل”: “إن الجنود الإسبان، كما كانوا منذ البداية، ملتزمون تمامًا تجاه المواطنين اللبنانيين، ويقومون بدوريات على مدار ال24 ساعة طوال أيام الأسبوع، مع التركيز على مراقبة الخط الأزرق . دعم مملكة إسبانيا إلى لبنان غير مشروط.”.
ويقول رئيس بلدية برج الملوك ايلي سليمان عبر “الوكالة الوطنية للاعلام” في مرجعيون: “من منطلق تجربتنا ومعايشتنا للكتيبة الإسبانية على مدى سبعة عشرة عاماً وما قدمته من عون ومساعدة، يجعلنا نرى بوجودها تعويضاً فعالاً وملموسا لمنطقتنا ولابناء الجنوب الذين عانوا ما عانوه منذ مطلع الستينات حتى يومنا هذا”.
أضاف: “لهذه الاسباب استطاعت الكتيبة الإسبانيّة ان تحظى بثقة المواطنين ومحبتهم حتى ان الكثيرين من ابناء المنطقة انكبوا على دراسة اللغة الإسبانية من خلال برامج تعليم اللغة اللتي نظمتها الكتيبة بالمجان الى حدود الاتقان ، وهذا الأمر يؤكد عمق العلاقة والتبادل الثقافي القائم بين العسكريين الأسبان وابناء المنطقة حيث صحَّ القول ” ان كان اخي في الهوية لا يراني فسأبحث عن اخاً لي في الإنسانية يزرع بوجوده الامل في نفسي لغدٍ أفضل” .
العرفان بالجميل هو احد اهم عناصر حضارتنا اللبنانية الكونية التفاعل والتأثير والقائمة على أقانيم ثلاثة ؛ المحبة والمعرفة والسلام لذلك فنحن نعبِّر في كل مناسبة وفي كل زمان ومكان عن عمق امتناناً وتقديرنا للأعمال الخيِّرة التي قامت بها الكتيبة الاسبانية في منطقتنا وفي كل قرية من قرانا والبصمات البيضاء التي تشير لتضحياتها وتقديماتها السخية التي تركت اثراً بناءً على الفرد والمجتمع بالإضافة للعلاقة الوطيدة التي تحلى من خلالها وجه الإنسانية الحقة .