تحقيق علي داود
رغم تبدل الظروف وتطورها في ايقاظ الصائمين في شهر رمضان لتناول السحور من خلال وسائل الاعلام والجوامع في البلدات والقرى الجنوبية، فإن ظاهرة المسحراتي الموروثة عن الاباء والاجداد في مدينة النبطية منذ الاربعينيات، ما تزال تطبع وجدان الاهالي في المدينة ويألفونها خلال السحور، وهي عادة تزخر بها النبطية امتدت مع السنوات الى البلدات المحيطة فيها مثل كفرمان والنبطية الفوقا وكفرتبنيت والدوير وانصار.
وبسبب ارتفاع الدولار وارتفاع سعر البنزين، اضطر المسحراتي للاستغناء عن سيارته، والتجول سيرا على الاقدام في الحي فقط وهو يضرب على الطبلة مرددا “يا نايم وحد الدايم، قوموا على سحوركم ، اجا رمضان يزوركم”.
المسحراتي يبدأ عمله في ايقاظ الصائمين منذ الثانية من بعد منتصف كل ليلة، حيث يجول في أحياء النبطية حاملا الطبلة، ويبقى متنقلا من بيت الى بيت حتى موعد الامساك ، أي الرابعة فجرا. وهذه العادة تخلق جوا بات يألفه الاهالي الذين ينتظرون المسحراتي ويقفون على شرفات المنازل ويراقبون حركاته وأفعاله واحيانا يدعونه لتناول السحور معهم او الاستراحة قرب منازلهم.
عضو بلدية النبطية جهاد الدقدوق أوضح انها “عادات وتقاليد تراثية ودينية تزخر بها النبطية منذ الاربعينيات ولا تزال راسخة في أذهان ابناء مدينة النبطية لارتباطها بالقيم والاخلاق الرمضانية التي يواظب ابناء المدينة على ممارستها خلال شهر رمضان، حيث لا تزال أصوات “المسحراتيون”، تصدح فجرا خلال فترة السحور لايقاظ الصائمين تطبيقا لقول النبي محمد “تسحروا فإن في السحور بركة”.
وأشار الى ان ظاهرة المسحراتي مرتبطة بالعادات الاجتماعية التي تحافظ عليها النبطية من جيل الى جيل، ولا تزال في الذاكرة الى اليوم عبارات “يا نايم وحد الدايم”، قوموا على سحوركم اجا رمضان يزوركم”، ورغم مظاهر التمدن والتقدم التكنولوجي في ايقاظ الناس فترة السحور، فإن ظاهرة المسحراتي في النبطية مستمرة بفضل حرص الشباب على ممارستها بدافع ديني وواجب اخلاقي واجتماعي، ولم تتوقف في النبطية، الا خلال فترة الاحتلال الاسرائيلي او خلال القصف على المدينة.
أما رئيس مصلحة الاقتصاد والتجارة في النبطية محمد بيطار، فقال: “نحافظ على هذه العادة التي تواكب شهر رمضان، لكن مع تمدد العمران في المدينة وتوسعه، بات يتنقل بين الأحياء بسيارة بغية ايقاظ الصائمين، وينادي عبر مكبر الصوت العبارات نفسها، كما ان الصائمين يستفيقوا للسحور عبر صوت الاذان، أو من خلال التلفاز اوالراديو او عبر اشارة “المنبه”، وغيرها من الوسائل، لكن صوت المسحراتي في النبطية والمنطقة يألفه الصائمون لانه يضفي امانا واستقرارا، وهذه المهنة لم تتوقف في النبطية قسريا الا خلال الاحتلال الاسرائيلي، او خلال القصف والاعتداءات التي كانت تتعرض لها المدينة قبل العام 2000.
وتمنى المؤرخ محمد معلم على “المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى او النادي الحسيني في النبطية بإمامة الشيخ صادق اقامة دورة سنويا للمسحرين، كي لا يمارسها كل على هواه وتكون ممارستها مصحوبة بالتواشيح الدينية وهو أفضل من الناحية الدينية والاعراف والتقاليد حفاظا على هذه العادة، وان يكون هناك متخصصون بالعمل فيها موزعون على البلدات والاحياء ومرتبطون بالمجلس مباشرة”.
أما المسحراتي حسين بريش من حي السراي في النبطية، فقال: “أتجول بطبلتي في شوارع وأزقة الحي التراثي والمعماري، الصغار ينتظرونني على شرفات المنازل ويرددون معي “يا نايم وحد الدايم”، انه التزام الواجب الديني الذي يدفعني الى المواظبة على هذا العمل سنة بعد أخرى، مع العلم انني بدأت خلال فترة الاحتلال الاسرائيلي مع عدد من الشباب من ابناء المنطقة بالقيام بإيقاظ الناس على السحور، وأقوم في نهاية الصوم بجمع المال من تبرعات الاهالي في الحي لتغطية نفقات شراء الطبلة والبطاريات للاجهزة الصوتية”.