كتبت صحيفة “الاخبار”: يشتد التنافس في دائرة بعلبك – الهرمل بين لائحة «الأمل والوفاء» المدعومة من الثنائي الشيعي ولائحة «بناء الدولة» المدعومة من حزب القوات اللبنانية على 10 مقاعد (6 شيعة، 2 سنة، 1 ماروني، 1 كاثوليك). لكن المعركة، فعلياً، محصورة بالمقعد الماروني ومحاولة القوات «إنقاذ» مرشحها أنطوان حبشي.هنا، يملك الثنائي الأكثريّة المُطلقة من أصوات الشيعة الذين انتخب منهم عام 2018 أكثر من 140 ألفاً (من أصل 180 ألف) صبّت غالبيتهم المطلقة أصواتها لمرشحي حزب الله وحركة أمل
رغم أن النتيجة شبه محسومة في دائرة بعلبك – الهرمل، إلا أنّ الحماوة الانتخابية تبدو على أشدّها. تنهمك ماكينة الثنائي في شدّ العصب ومتابعة أمور المقترعين القاطنين خارج القضاء لتأمين المواصلات. يقول أحد المسؤولين في حزب الله إن انتخابات 2022 هي «معركة وجود، إذ إن القوات لا تخوضها على قاعدة المشاريع وإنّما بهدف نزع سلاح المقاومة». رغم ذلك، ليست المعركة الحالية دفاعاً عن مقعد شيعي يخشى حزب الله خسارته، بل معركة «رفع الحاصل» لـ«تقشيط» القوات المقعد الذي يشغله النائب أنطوان حبشي، فيما تتركّز معركة القوات على خفض الحاصل لكي «يزمط» مرشحها.
في انتخابات 2018، مكّن القانون النسبي القوات والمستقبل من الظفر بمقعدين سني وماروني شغلهما في الدورات السابقة حلفاء لحزب الله. نالت لائحة القوات والمستقبل والنائب السابق يحيى شمص حاصلين (سني وماروني) بعدما اقترع لها أكثر من 35 ألف ناخب، أمّن تيار المستقبل نحو 11 ألفاً منها وزّعها على مرشحَيه السنيين ونال فيها شمص 6658 صوتاً، فيما فاز حبشي بـ14858 صوتاً تفضيلياً أوصلته إلى البرلمان. هذه الدورة، تبدو معركة القوات صعبة. مع اعتكاف المستقبل وشمص ستخسر أكثر من 17 ألف صوت. ما يعمل عليه حزب جعجع هو خفض الحاصل الذي سُجّل في العام 2018 (18 ألف صوت)، إذ إن البلوك القواتي لا يتعدّى الـ 15 ألف صوت، فيما لا حيثية شعبية يعتدّ لأي من المرشحين الشيعة والسنة على لائحة «بناء الدولة».
تدرك القوات ذلك، وتسعى إلى استنهاض شارعها على قاعدة المحافظة على المقعد الماروني. يبدو هذا واضحاً في غرب بعلبك، تحديداً في بلدة دير الأحمر والمناطق المحيطة التي تُعد البلوك الماروني (أكثر من 25000 ناخب) المحسوب على القوات في البقاع الشمالي والمرتبط جغرافياً ببشري، كما في القاع ورأس بعلبك والفاكهة وجديدة الفاكهة وسرعين حيث الثقل الكاثوليكي (أكثر من 17000 ناخب) الموزّع على جميع الأحزاب، وللقوات حصة وازنة فيه. بوادر المعركة واضحة هنا: مكاتب انتخابية وصور لحبشي في كل مكان. عنوان المعركة: «نكون أو لا نكون». بالنسبة للمسؤولين القواتيين، يخوض حزب الله «حرب إلغاء» عبر سحب المقعد منهم، مستخدماً سياسة «تهبيط الحيطان» والإيحاء بعدم قدرة القوات على الوصول إلى الحاصل. «إذا كان الأمر كذلك، لماذا يقوم حزب الله بترهيب المرشحين الشيعة والضغط عليهم للانسحاب؟». مسؤول قواتي في دير الأحمر يبدي تفاؤلاً كبيراً بأن «الصوت الشيعي الاعتراضي سيفاجئ حزب الله، وكذلك الأمر بالنسبة للصوت السني الذي سيكون خياره سيادياً، بالتالي معركتنا لن تكون حصراً على المقعد الماروني، وإنما بإمكان اللائحة الوصول إلى أكثر من حاصل». يدرك الرجل أنّ «الواقع الديمغرافي صعب بوجود 40 ألف مسيحي بين أكثر من 180 ألف شيعي، لكن القانون الحالي أتاح لنا في 2018 فرصة أن يكون لنا نائب من أصل 10».
«نريد الشراكة»
«لسنا كائنات بيولوجيّة نأكل ونشرب وننام ونتفرّج على حزب الله يحمي ويبني وكأننا نواطير»، يقول رئيس بلدية القاع بشير مطر، مشدداً على «رفضنا أحاديّة التمثيل وسياسة الرأي الواحد». «الريّس» المحسوب على القوات يؤكد «أننا نريد أن نعيش مع محيطنا ونبني علاقات نديّة مع حزب الله وأن نتعاون بما فيه مصلحة البلد والبقاع، لكننا ضد سياسة المحدلة التي كانت تأتي بنوابنا من دون أن نختارهم». يجتهد مطر الذي يلقبه بعض أبناء المنطقة بـ«القبضاي والآدمي» في تنفيذ مشاريع (براد زراعي، مكتبة عامّة، منطقة صناعية، إنارة الشوارع بالطاقة الشمسيّة) من خلال الحصول على دعمٍ من جهات مانحة، مستفيداً من دعمٍ قواتي في بعض الوزارات، ومن وجود نازحين سوريين في البلدة. في المقابل، يتحدّث عن «تقصير حزب الله في تقديم مشاريع إنمائيّة للمنطقة التي تعاني من الحرمان».
رغم الانتظام الذي يبديه «الريس» في معركة القوات، لا يخفي أبناء القاع ممن يميلون لحزب جعجع استياءهم من التعميم عليهم بصب أصواتهم لحبشي، واستبعاد المرشح القواتي الآخر، ابن القاع إيلي بيطار، وكأن ترشيحه «رفع عتب». إلا أنّ هذا «تفصيل صغير وتكتيك انتخابي معتمد من كل القوى السياسية» بحسب مسؤول قواتي في البلدة.
المقعد الكاثوليكي
في المقابل، لا يستهين أبناء القاع بالمعركة على المقعد الكاثوليكي، ليس فقط لأن التيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يملك حيثية شعبية في المنطقة يدعمان ابن البلدة سامر التوم، بل لأن سيرته الذاتية تستقطب غير المحسوبين على التيار. طبيب القلب لم يترك القضاء يوماً. العشرات يتحدثون عن متابعته الدقيقة للمرضى من أبناء البلدة والمحيط وتقديمه الخدمات الاستشفائية المجانية على مدى سنوات طويلة. يرفض التوم الإيحاء بأنه إذا فاز فسيكون ذلك بفضل الأصوات الشيعيّة، لافتاً إلى أنّ «موارنة المنطقة بغالبيتهم مع القوات، لكن الغلبة لنا في البلدات الكاثوليكية، في حين أن التيار الوطني الحر موجود في كل الدوائر الانتخابية ويملك شعبيّة لدى أكثر من نصف الموارنة في لبنان». وعن تقصير التيار مع أبناء المنطقة، يقول: «لم يكن لنا نائب سابقاً، وفي حال فزنا بالمقعد فليحاسبونا من اليوم ورايح».
الرأس والقاع
يختلف المشهد في رأس بعلبك. رغم قرب المسافة بين «الراس» والقاع وعلاقات المصاهرة بين البلدتين الكاثوليكيتين، إلا أنهما مختلفتان. في «الراس»، لا تزال أحزاب الحركة الوطنية والحزب الشيوعي تطبع المنطقة بصبغتها، ولو أن القوات تمكّنت في العام 2018 من حصد رقم عالٍ من الأصوات فيها (800) مقابل 500 للنائب ألبير منصور الذي ترشّح من حصة الحزب السوري القومي الاجتماعي. كانت تلك المرّة الأولى التي تُعطي فيها «الراس» الكاثوليكية بكثافة للمرشح الماروني من دير الأحمر.
في رأس بعلبك، يُمكن إيجاد كثيرين من المناصرين لحزب الله أو حتى المنضوين في سرايا المقاومة منذ أن احتل المسلحون بعض جرودها، إضافة إلى منضوين في الشيوعي والقومي ومناصري ألبير منصور ومروان فارس.
«عندما كان المسلحون في الجرود لم أكن أرى مقاتلي حزب الله، لكني كنتُ أنام مرتاحاً لأنني كنت أشمّ رائحة تعبهم على جبالنا». هكذا يختصر ابن «الراس» ناجي نصرالله علاقة بلدته مع الحزب، وهي علاقة «قائمة على الاحترام المتبادل، فرأس بعلبك هي جزء من المجتمع البقاعي». انتخابياً، تبدو البلدة أقل حماسة مقارنةً بالمعارك السابقة باعتبار أنّ لا مرشحين منها باستثناء مرشح «حركة مواطنون ومواطنات في دولة» ميشال مهنا، إضافة إلى أن مرشح القوات البيطار هو «صهر الضيعة». غياب المرشحين يفتح المجال أمام كل القوى لشد عصبها. لذلك يتوقع أن تحصد القوات أصواتاً مماثلة لتلك التي حصلت عليها في 2018.
مسيحيو الهرمل
منذ أكثر من 40 عاماً، هجر آل حدشيتي وادي الرطل – الهرمل ونزحوا في اتجاه حدشيت في بشري حيث لا يزالون يعيشون حتّى اليوم. هؤلاء هم «البلوك الماروني» الوحيد المسجّل في مدينة الهرمل. أكثر من 1200 ناخب من آل حدشيتي تنتخب منهم قلّة قليلة. وفي ظلّ حماوة المعركة الانتخابية، من المنتظر أن يقوم حزب القوات اللبنانية بتأمين وسائل نقلهم بغية مشاركتهم في الانتخابات في أقلام اقتراع الهرمل.