ألقى رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي اللبناني شارل عربيد، كلمة أمس بصفته ضيف شرف أمام أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الفرنسي في مقره في قصر إينا، وذلك بدعوة من نظيره تييري بوديه.
وهذه الكلمة، تأتي قبيل انعقاد المؤتمر الدولي للدعم السياسي والإنساني للبنان الذي أطلقه الرئيس إيمانويل ماكرون والذي سيعقد في باريس يوم غد.
وتم هذا الحدث، في حضور القائم بالأعمال في سفارة لبنان في فرنسا زياد طعان، وبمشاركة رؤساء وأعضاء مجالس الاتحاد الدولي للمجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات المشابهة الناطقة بالفرنسية (UCESIF) عبر تقنية الاتصال عن بعد
بوديه
وفي كلمته الترحيبية،أكد بوديه:”أؤمن بفكرة ديبلوماسية المجتمعات المدنية، وأؤمن بضرورة التزامنا بالتضامن الدولي كما هو منصوص عليه في مرسوم 1958 الذي ينظم مجلسنا الاقتصادي والاجتماعي. ويتجلى ذلك بشكل خاص في الروابط التي نحافظ عليها.يجب أن يبذل كل جهد، على مستوانا الخاص، بالتنسيق مع سفارتنا في لبنان والسلطات الديبلوماسية الفرنسية، لضمان استمرار المؤسسات الديموقراطية، وأن تنبعث من جديد رغم الحروب، رغم مآسي العالم”.
أضاف :”عندما تهتز المستويات السياسية، يمكن للمجتمعات المدنية المنظمة أن تصبح مصادر بديلة، وحاضنات للخبرة، وأماكن لتجديد الديموقراطية”.
عربيد
ثم ألقى عربيد كلمة لبنان، فعبر عن “امتناني للرئيس تييري بوديه، الذي كان من أول من اتصل بي سائلا: “كيف يمكننا مساعدتكم؟”، وقال :”صحيح أنها كلمات بسيطة، ولكنها قوية جدا،
عزيزي تييري!في زمن السلم، كما في زمن الحرب، كانت فرنسا، ولا تزال، على أهبة الاستعداد لدعم لبنان. بدءا من الملك لويس التاسع، مرورا بالجنرال ديغول، وصولا إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، لم تتوان فرنسا أبدا عما يسميه الوزير جان إيف لودريان: “واجبها الأخلاقي والسياسي لمساعدة لبنان”.
وتابع :”ينظر إلى لبنان اليوم من منظارين: “ساحة دمار” و”مأوى للنازحين”. وبعبارة أخرى، بات لبنان بلدا منهارا! والسبيل الوحيد للخلاص هو العودة إلى كنف الدولة ومؤسساتها وبسط سيادتها على كامل أراضيها. لذلك، ينبغي، على وجه السرعة، تنفيذ المبادرة الدولية التي تهدف إلى إطلاق ديناميكية سياسية وإنسانية واقتصادية واجتماعية لمساعدة لبنان.
في الشق السياسي، يجب أن تركز هذه المبادرة على المحاور التالية:
1 -العمل على وقف إطلاق النار وتطبيق قرار مجلس الأمن الصادر عن الأمم المتحدة رقم 1701 الذي ينص بشكل خاص على نشر الجيش اللبناني وحده. وفي هذه المناسبة، أود أن أشيد بشجاعة وصمود قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل)، بما في ذلك قوات حفظ السلام الفرنسية البالغ عددها 700 جندي. فالجيش اللبناني هو المؤسسة الوحيدة الضامنة والممثلة لوحدة الشعب اللبناني. لذلك، لا بد من تعزيز دوره ودعمه من خلال تزويده بأحدث المعدات والأكثرها تطورا.
2 – إنهاء تعطيل الانتخابات الرئاسية وانتخاب رئيس دولة قادر على جمع مختلف الأفرقاء حول طاولة واحدة.ولا بد من التحلي بجرأة كبيرة لتحقيق النجاح في هذه المهمة الشاقة، وإن لم تكن مستحيلة، لجمع اللبنانيين في حوار وطني صريح يعزز التوافق. وأيا كان شكل هذا الحوار، ينبغي أن يتم بروح من التفاهم الوطني ووفق أحكام اتفاق الطائف، وهو وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التأسيسي للجمهورية الثانية. لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد، أرضا وشعبا ومؤسسات وميثاق العيش المشترك.
3 -إطلاق عملية إعادة إرساء سلطة الدولة، بما يتماشى مع إرادة غالبية اللبنانيين وضرورة بناء دولة تحكمها سيادة القانون وتحترم القيم الديموقراطية والجمهورية.
على الصعيد الإنساني، علينا أن نبدأ من الآن بالتفكير في مرحلة ما بعد الحرب، بما يعزز تناغم المبادرات وتزخيم أثر التضامن الدولي. وأخيرا، ينطوي الجانب الاقتصادي والاجتماعي والمجتمعي على التفكير في السبل الممكنة للخروج من الأزمة وتحديدها، من خلال التآزر الجماعي. وإذ نأخذ ذلك في الاعتبار، علينا أن نكون جادين في تطبيق الإصلاحات اللازمة لإنعاش القطاعين المصرفي والمالي، وكذلك الحوكمة السياسية الرشيدة.
ونحن في حاجة إلى جميع أصدقائنا لبث روح جديدة في النموذج اللبناني للعيش المشترك. هذا البلد الذي يلتقي فيه الشرق والغرب، غالبا على إيقاع الصراع، يبقى مع ذلك، من خلال صموده الأسطوري، “رسالة” سلام وأمل.
ختاما، دعونا نجعل من لبنان بلدا سيدا حرا، مستقلا، متنوعا، مستقرا وجاذبا من جديد”.
وقد لاقى خطاب عربيد حفاوة شديدة، ووقف الحضور تحية.
وتحدث ممثلو الجمعيات الأعضاء في المجلس الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي، مثل الصليب الأحمر الفرنسي الذي يعمل بنشاط لمساعدة لبنان، بالإضافة إلى ممثلي الاتحاد الفرنسي الديموقراطي للعمل (CFDT) والاتحاد العام للعمل (CGT)، حيث القى كل منهم كلمة للتعبير عن تضامنهم مع الشعب اللبناني.
وشدد عربيد على “الدور الحيوي والالتزام الثابت للصليب الأحمر اللبناني، المدعوم أيضا من نظيرته الفرنسية”. كما أشاد بالتفاني الوطني لشركة طيران الشرق الأوسط “ميدل إيست إيرلاينز”، وببطولة وشجاعة طياريها، الذين بفضلهم يبقى لبنان واللبنانيون على تواصل مع العالم رغم الوضع الكارثي.
وفي ختام الجلسة، تم الاتفاق على متابعة العمل عبر فريق عمل مشترك بين المجلسين لاقتراح حلول واجراءات تعيد احياء الاقتصاد وتمتن الواقع الاجتماعي في مرحلة ما بعد وقف اطلاق النار.